لو لم تنجز الثورة المصرية سوى وضع الرئيس المخلوع خلف القضبان بعد 30 عاما قضاها في حكم أرض الكنانة،لكفاها، انتقل حسنى مبارك إلى مستشفى سجن مزرعة طرة ، بعقوبة السجن المؤبد،وسيمضي بقية حياته في السجن الا في حال فوز رئيس وزرائه السابق أحمد شفيق الذي سيخوض جولة الاعادة في سباق الرئاسة أمام المرشح الاسلامي محمد مرسي،وحينها يمكن أن يحصل مبارك على عفو رئاسي. وبعد اعلان الحكم أغلق متظاهرون غاضبون من الأحكام التي صدرت ضد مبارك، ونجليه، ووزير داخليته، جميع مداخل ميدان التحرير الشهير وسط القاهرة، واعتبروها مخففة، وعمت حالة من الغضب عدة مدن مصرية أخرى، وطالب المتظاهرون بالقصاص. يحق للشعب المصري وخاصة أسر الشهداء وضحايا عهد مبارك أن يغضبوا بعد ما سامهم سوء العذاب،وقتل أبناءهم،وأحال حياتهم الى جحيم لا يطاق وبات نحو نصف مواطني أم الدنيا تحت خط الفقر. لكن المحاكمة لم تنظر الى جرائم مبارك السياسية، وهي أخطر بكثير من جرائمه الجنائية، لما الحقته بمصر من أضرار تمثلت في تراجع مكانتها، وافتقاد دورها الطليعي في المنطقة، وانتهاك سيادتها الوطنية، وإضعاف أمنها القومي، وتحولها الى حارس للحدود الاسرائيلية، وشرطي للمصالح الأميركية. لذا لم يجد مبارك بعد الحكم عليه من يذرف عليه دمعة أو كلمة مواساة، سوى من مسؤولين إسرائيليين أعربوا عن أسفهم لسجنه، قائلين إنه كان "قائدا فذا،" وزعيما رمزا" ، وأعرب وزير الدفاع الاسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر عن اسفه لادانة مبارك بالسجن مدى الحياة، وقال في تصريح للاذاعة الاسرائيلية، "كنت اتمنى مزيدا من الرحمة والرأفة من جانب المحكمة للذي كرس حياته كاملة للشعب المصري". واضاف بن اليعازر أن "مبارك وطني مصري حقيقي، وجميع الذين عرفوه عن كثب يعرفون أن الشرق الاوسط بعده لن يبقى كما هو، واننا لا نتجه الى ما هو أفضل". كما انتقد نائب الوزير الليكودي أيوب قرا، الحكم الصادر بحق مبارك، معتبراً إياه "دليلاً على التوجه الخاطئ للثورة المصرية وصفعة للإدارة الأميركية"، ورأى قرا، أن "العالم الحر سيدفع الثمن باهظاً على إهماله زعيم صار رمزاً للتطلع إلى تحقيق السلام في المنطقة." لم يكن يتصور مبارك لحظة في حياته أن ينتهي به المطاف داخل أسوار السجن، بعد أن عاش مع أسرته فترة حكمه في رفاهية كاملة بعيدا عن شعبه، لا يربطه شيئ به سوى مجرد تقارير مضللة من أجهزته الأمنية وأرقام كاذبة لم تعبر بحق عن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية لهذا الشعب، ومدى ماعاناه من أجل توفير قوت يومه. وتأتي محاكمة مبارك ورموز نظام حكمه لتنهي بذلك نحو ثمانية آلاف عام من تاريخ المصريين، كان فيها الحاكم بمثابة الفرعون الذي يستمد بعضاً من صفات الإله، الذي لا يُسأل عما يفعل، ولا يمكن محاكمته على الإطلاق، لدرجة أن الدستور خلا من أية مواد تبيح محاكمته في حال ارتكابه أية مخالفات، باستثناء تهمة الخيانة العظمى، التي تستوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وهو شرط يستحيل تحقيقه في ظل خلو البرلمان من الوجوه المعارضة. بالحكم على مبارك وحبسه، انتهى عصر فرعون في الدولة المصرية وبلا رجعة، ويأمل المصريون في أن تكون محاكمة الرئيس السابق عبرة وعظة لمن يتكالبون على الوصول إلى كرسي الرئاسة، وتوجيه رسالة قوية وصريحة لهم بأن من سيأتي لحكم البلاد سيكون خادما للشعب المصري، يعمل على تلبية احتياجاته وتحقيق أهداف الثورة التي أذهلت العالم بسلميتها وحققت ما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر، ألا وهو محاكمة رئيس الجمهورية والحكم عليه، أما من يفكر في مجد أو طموح شخصي فعليه التنازل فورا عن خوض انتخابات الرئاسة. الطغاة لا يقرأون التاريخ حتى يتعظوا من دروسه، ويعتقدون انهم التاريخ ويختصرون الدولة في شخوصهم، ويتصرفون وكأنهم فوق العدالة، ويملكون حقا إلهيا في الظلم والبطش وإذلال شعوبهم.