السفر قطعة من نار.. واولى جمراته التي يطأ عليها المسافرون ومن حدثتهم انفسهم بالسفر زيادة أسعار تذاكر السفريات البرية التي بدأ تطبيقها منذ رحلات الامس، ووصلت نسبة الزيادة فيها الى 25%، وتأتي الزيادة في غضون اقل من عام من الزيادة الأخيرة التي اعلنت العام الماضي. وفي ظل إرهاصات بزيادة أخرى بعد رفع الدعم عن المحروقات، «الصحافة» كانت في صحبة أوائل المسافرين الذين اصطدموا ببدء زيادة الأسعار، ونقلت معاناتهم في عز صيف يونيو الحارق. وتأتي زيادة أسعار تذاكر البصات السفرية العابرة للولايات بعد الزيادات المتوالية في مجمل أسعار السلع في الاسواق والتي وصلت ذروتها مع تعويم الجنيه مقابل الدولار، ويؤكد العديد من ملاك البصات أنهم اضطروا إلى زيادة اسعار التذاكر، مشيرين الى أن تذاكرهم تتحمل كما كبيراً من ضرائب القيمة المضافة وأرباح الاعمال. وجوه مشدوهة وافواه فاغرة كانت هي ردة الفعل الاولى، وعلى الرغم من الزيادة المعلنة مسبقاً في اسعار التذاكر، إلا أنه اتضح جلياً أن بعض المواطنين صعقتهم المفاجأة عند قطع التذاكر، فكان التذمر والسخط هو السيد داخل موقف شندي ببحري إثر ارتفاع أسعار التذاكر، ولا صوت يعلو فوق صوت الحافلات، وهى تصفر او اصوات المساعدين والكماسرة وهم يروجون ويقومون بجذب المسافرين نحو حافلاتهم، أما داخل صالة موقف شندى فلا تجد موطئ قدم، والمقاعد الحديدية ممتلئة والبعض منهم يجلس على أمتعته محبوسين، والبعض منهم التف حول بائعات الشاي وهم يراقبون عملية دخول الحافلات الى الموقف وعملية تحميل وتنزيل أمتعتهم من على متن الحافلات، ويرشح العرق في جباه بعضهم وهم يسحبون خلفهم حقائب ثقيلة منادين على اطفالهم لضمان عدم توهانهم في الازدحام الخفيف الذي يحيط بموقف شندي. وعثرة خلف عثرة في صفوف شباك التذاكر، إلى أن يواجهوا إعلان ثمن التذكرة، وكثيرون عادت بهم خطواتهم إلى خارج صالة الموقف ليتفاكروا في الأمر. ولفت انتباهنا ونحن نجول بين الحافلات السفرية المختلفة صوت أحد المساعدين وهو يردد بصوت مرتفع قائلاً: «شندي 17جنيهاً» ويؤشر على مكان وقوف الحافلة وحبات العرق اتخذت تأخذ طريقها إلى خده حاملاً في يده دفتر التذاكر، وتجاذبنا معه أطراف الحديث ليعلمنا بأن تذاكر الحافلات السفرية درجة أولى ارتفعت من 17 جنيهاً الى 22 جنيهاً نسبة لأن موديلها جديد وتتميز بالخدمات أيضاً، أما الباصات درجة ثانية موديل «2003» فقد ارتفعت من 13 الى 17 جنيهاً.. تركناه وهو يهم بالتوجه للأشخاص الراغبين في السفر فور دخولهم الموقف، ليعرض عليهم تذاكر الحافلة التي يعمل بها. عثمان شرف الدين اتخذ من فرع إحدى الاشجار مكاناً له ليبتعد عن الضوضاء، وارتسمت الدهشة على وجهه فور حديثنا عن الزيادة، فقال إنه فوجئ بالأمر ولم يعلم به إلا عندما أخبره المحرر، واعتبر الأمر كارثة حطت عليه وحده فقط، مضيفا بقنوط ويأس «لا نأكل ولا نشرب ولا نسافر»، واستدعي خلال حديثه الضائقة المعيشية والزيادة المرتقبة في أسعار الوقود، قائلاً إن إضافة عبء جديد يعتبر أمراً غير منطقي، مقترحاً تأجيل الزيادة الى وقت آخر يكون فيه الحال افضل مما هو عليه الآن. وكان هناك أناس قادمون من ولاية الجزيرة في رحلة قد تطول الى مدينة شندي، وبحسب إفاداتهم فقد حط بهم الترحال في بحري ليواصلوا الرحلة على متن حافلة أخرى، غير أن الرحلة التي كانت لا تكلف أكثر من أحد عشر جنيهاً للفرد وهم ستة أشخاص، صارت تكلف اليوم عشرين جنيهاً، مما يعقد حسابات وضعوها للوصول الى سرداق العزاء المتجهين اليه في ولاية نهر النيل طبقا لافاداتهم، شاكين من ارتفاع الاسعار الذي امتد شبحه الي كل شيء، واصفين الزيادة في هذا القطاع بغير المبررة، لجهة ان السلطات كان من الممكن ان تلجأ الى حلول أخرى بتقليل جباياتها على الطريق أو دعم القطاع من نواحٍ اخرى، وقال محمد نور وهو أحدهم إن الزياده عالية جداً، حيث أن السودانيين في الغالب يسافرون في شكل أسر، مما يجعل نسبة ال «25%» مرتفعة جداً ويتكفل بها رب الاسرة. وختم حديثه قائلاً: «نشكو لرب العالمين». وفي ما يخص أسعار التذاكر ذكر بابكر عمر المسؤول عن محلات «الطريفي للنقل» أن سعر تذكرة مدنى درجة اولى ارتفعت من 17 الى 22 جنيهاً، بينما وصلت تذكرة بورتسودان الى 92 جنيهاً بعد ان كانت 64 جنيهاً، وكسلا من 57 الى 72 جنيهاً، أما تذكرة القضارف فقد ارتفعت الى 47 جنيهاً، وشندي الى 22 جنيهاً، وعن تقبل المواطنين للزيادة قال بابكر: «واجهنا موجة من الاستياء والتذمر من قبل المسافرين منذ الصباح، إلا أن المسافرين في نهاية الأمر تقبلوا الزيادة، والبعض الآخر اكتفى بتوجيه الاتهام لنا، رغم أن القرار صادر عن غرفة النقل بعد اختبار ودراسة وتجربة امتدت لثلاثة أيام» .