بدأت الحركة الشعبية لتحرير السودان نشاطها العسكري ضد السلطة المركزية في الخرطوم في شهر مايو 1983م، وحتى شهر سبتمبر من ذات العام كانت البلاد تحت حكم علماني تسمح فيه القوانين ببيع الخمور علنا ولها تراخيص من السلطات المحلية، فكانت البارات التي تبيع الخمور المصنعة تملأ انحاء السودان في المدن والقرى والأنادي وهي التي تبيع الخمور البلدية على قفا من يشيل.. فكان الحظر على شاغلي الوظائف القيادية بمنشور قام الرئيس الراحل نميري بتعميه عليهم تحت (القيادة الرشيدة) بمنعهم من تعاطي الخمور بأنواعها ليكونوا قدوة للعاملين معهم ولمواطنيهم، حتى ان وزارة الخارجية كانت تمنع دبلوماسييها على اختلاف درجاتهم من تعاطي الخمر اثناء السفر بالجو او البحر او البر وفي الحفلات الرسمية مهما كانت، وعموما فمن المعروف ان الدول لا تقدم الخمر في الاجتماعات الرسمية ويتم تقديمها في البرامج المصاحبة.. واستمر الوضع في السودان علمانيا حتى اعلن الرئيس الراحل نميري تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في شهر سبتمبر 1983م، وهي التي عرفت باسم (قوانين سبتمبر 1983) .. وعلى الرغم من ان تطبيقها كان ساريا على المسلمين في السودان الشمالي والجنوب مستثنى شعبا وحكومة الا ان الراحل العقيد جون قرنق قائد الحركة الشعبية آنذاك ألحق موضوع تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في البلاد الى قائمة اسباب التمرد بينما جاء تطبيق تلك القوانين بعد اكثر من اربعة اشهر من قيام حركة التمرد في جنوب البلاد. والمعروف ان حركة التمرد الاولى بقيادة الفريق جوزيف لاقو وحتى توقيع اتفاقية السلام في الثالث من مارس 1972م، في اديس ابابا لم يكن الدين سببا من اسباب تمردها .. وكذا لم يكن الدين سببا لتمرد الراحل جون قرنق ولكن عندما اعلن الرئيس الراحل نميري تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في شمال البلاد الحق الراحل قرنق ذلك الاعلان ضمن اجندة الحركة الشعبية فكان ذلك الملحق الاول، وجاء الثاني بضم مناطق جبال النوبة الى الحركة الشعبية واستقطاب قيادات وجنود من ابناء جبال النوبة الى قوات الحركة الشعبية على اساس ان مناطقهم مهمشة وان التنمية غير متوازنة وهي منطقة من المناطق التي حكمها الاستعمار الانجليزي بقانون المناطق المقفولة وهي ثلاث مناطق فثانيها جنوب السودان والثالثة جنوب النيل الازرق، هذا وقد ظلت جنوب النيل الازرق خارج اجندة الحركة الشعبية حتى اواخر العام 1986م، عندما دخلت قواتها مدينة الكرمك وكان دخولها من باب الدعابة انها تقاتل في السودان الشمالي كذلك ليتماشى ذلك مع اسمها (الحركة الشعبية لتحرير السودان).. وليس من الجنوب فقط.. فالغرض اذن من دخول واحتلال الكرمك وتوأمتها قيسان اعلامي وليس من اجل انها منطقة مهمشة او متخلفة تريد لها الحركة الشعبية تقدما او نصيبا في التنمية والثروة والسلطة ونرى ان هذه المنطقة قد تم الحاقها بأجندة الحركة الشعبية بعد مرور اكثر من ثلاثة اعوام من قيامها في مايو 1983م، في اواخر عام 1986م، كم سبقت الاشارة وهذا هو الملحق الثالث في اجندة الحركة الشعبية لأن منطقة جنوب النيل الازرق ليس لها صلة بجنوب السودان حتى في عهد حكم الاستعمار الانجليزي وبعد الاستقلال في الاول من يناير 1956م، بقيت ضمن اجزاء مديرية النيل الازرق التي كانت تمتد من حدود مديرية اعالي النيل في الجنوب الى حدود مديرية الخرطوم آنذاك في سوبا وتشمل اليوم ولايات النيل الازرق والنيل الابيض وولاية سنار والجزيرة، ولم تطالب حركة التمرد الاولى بقيادة جوزيف لاقو بأية رقعة من ارض جنوب النيل الازرق ولم تدخلها ابدا ولم ينضم اليها من ابناء جنوب النيل الازرق للتمرد قط.. وبهذا نلحظ ان التمرد دخل جنوب النيل الازرق بعد اكثر من ثلاثين عاما بعد الاستقلال ثم دخول بعض ابناء النيل الازرق في الحركة الشعبية لتحرير السودان ايضا.. اما الملحق الرابع فهو موضوع البترول الذي تم استخراجه ثم تصديره في العام 1998م، بعد خمسة عشر عاما من بداية حركة التمرد ومن هنا نرى ان فصل الدين عن الدولة وتقسيم الثروة وغيرها من الملحقات لم تكن من بذور الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقياسا على سياسة الملاحق هذه ننظر الى ما يدور في عقلية قيادة حكومة الجنوب الحالية فهي ذات عقلية قيادات الحركة الشعبية قبل وبعد انفصال الجنوب واستمرارا في سياسة الملاحق اتت حكومة الجنوب الى طاولة المفاوضات في اديس ابابا في اوائل شهر يونيو هذا 2012م، بمناطق اخرى تدعي انها تتبع لجنوب السودان وعددها ستة بعد ان كانت اربع فقط اشهرها ابيي فارتفع عدد المناطق المتنازع عليها الى عشر.. اربع معروفة والست الاخرى مدعاة .. والطريف في الامر ان مجلس الامن الموقر في قراره رقم 2046 يسمي هذه المناطق ويشير اليها بكلمتي disputed) وclaimed) وكلمة مدعاة كلمة مطاطة فقد تدعي حكومة الجنوب ان حلفا القديمة تتبع لها فهل تحمل حكومة السودان الخرط والمستندات لتفاوضها لاقناعها ان حلفا القديمة لا تتبع لجنوب السودان بأي حال من الاحوال!! واتفاقية نيفاشا حسمت الامر بتحديد الحدود بين البلدين بحدود الاول من يناير 1956م، عند الاستقلال وعلى ضوء هذه الحدود جرت عمليات الاحصاء والاستفتاء فلا نكوص بعد هذا .. وقد رأت حكومة جنوب السودان كيف أيد الرأي العام العالمي حق السودان في تحرير هجليج وكيف طالبها المجتمع الدولي بالخروج منها، فالحق أبلج، واتفاقية نيفاشا تجب ما قبلها فلماذا لم تطالب الحركة الشعبية بالمناطق الست التي تدعيها الآن عند التوقيع على الاتفاقية ولكنها سياسة الملاحق من باب (كبر كومك) ولكن (الكيمان اتفرزت).. ومجلس الامن الدولي جانبه التوفيق في ايراد كلمة claimed في القرار 2046.. نعود الى جنوب النيل الازرق فلا نجد اي جزء من هذه المنطقة ضمن المناطق المتنازع عليها الاربع ولا اي جزء منها ضمن المناطق الست المدعاة انها تتبع لجنوب السودان، وهذا يؤكد ما ذكرناه في مكان سابق في هذا المقال ان جنوب النيل الازرق ليس لها مكان في الجنوب وبالتالي فعلى حكومة جنوب السودان سحب قواتها من اماكن تواجدها في جنوب النيل الازرق بأسرع ما يمكن، فالحركة الشعبية الحقت الضرر بجنوب النيل الازرق وبنشوب الحرب في الاول من سبتمبر 2011م لحق الضرر ولأول مرة بقبيلة الانقسنا التي ينتمي اليها الفريق مالك عقار على الرغم من ان السيد مالك كان ممسكا بزمام الامور في الولاية السياسية والعسكرية واستمرار حالة الحرب يضر اكثر بالانقسنا ، فهي قبيلة صغيرة وترعى البقر وتعاني منطقة جبالها من العطش صيفا والخزان الموجود في باو والذي حل الكثير من ضائقة العطش تم بناؤه بواسطة حكومة الشمال وليس الحركة الشعبية، ورغم وجود السيد مالك عقار في مناصب قيادية في الحركة الشعبية - فريق ونائب رئيس الحركة الشعبية، الا انك لا تجد من ابناء الانقسنا طبيبا بشريا او بيطريا او صيدلانيا او مهندسا او قانونيا الى يومنا هذا .. فهم اذن احوج ما يكونون الى الاستقرار للدراسة والتنمية وتطوير جبال الانقسنا ببناء المدارس والمراكز الصحية وشق الطرق وتشجيع التجارة.. والسيد مالك يتبرأ منهم.. فيا ابناء الأنقسنا بصفة خاصة قوا انفسكم وأهليكم نارا، فلا انتم في المناطق المتنازع عليها ولا في المدعاة..!!