بحسب الرفض القاطع الذي قوبلت به دعوة البعض للمشاركة في حكومة مختلطة فإن فرص الإستقرارللحكومة القادمة التي ستتمخض عنها نتيجة الانتخابات البائسة ستكون أشد بؤساً من انتخاباتها ، ويعزي بعض المراقبين اسباب ذلك الى الطريقة التي جري بها تكوين الحكومة والهدف الحقيقي المراد منه استمرارها ، فكل الاحتمالات بأن تكون هنالك حكومة قومية مرضي عنها تبددها رياح الشكوك العاصفة ولو ان حكومة الوحدة القومية المنتهية الأجل فكرت وقدرت في طريقة حكيمة تحافظ بها على الاستقرار لكان الحال اليوم افضل مما هو عليه الآن حيث لا احد يعترف بنتيجة الانتخابات ولا احد يريد المشاركة في حكومة لحم رأس جاءت عن طريق التجاوزات والخروقات الواضحة . إذن مطلوب من الشعب السوداني الانتظار مجدداً خمسة اعوام إضافية من العزلة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والتهديد بالانفصالات في الجنوب والغرب والشرق ، خمسة سنين طويلة بسبب الانتخابات التي قيل عنها آنفاً انها السبيل الى التداول السلمي للسلطة والطريق الوحيد للخروج من ورطة النظام الآحادي المسيطر والآخذ بتلابيب البلد ، ولكن هل تسعف هذه الخمسة اعوام طالبي السلطة والجاه وتمنحهم الفرصة للتخلص من هذه العقدة المعقودة والعقبة الكؤود ؟ وما الضامن في ان يستمر الحكم هكذا انقلاب ثم انتخابات غير حرة وغير نزيهة ثم التلويح بحكومة لحم رأس ثم تبديل الرأي لاحقاً فتصبح ملكاً عضوداً الى يوم الدين ؟ من يضمن الثقة في هذا البلد الذي يحمل أبناؤه السلاح ضد بعضهم البعض كلما وصلوا الى مفترق طرق شتى ؟. قطعاً السيد الصادق المهدي ليس هو الحكيم الوحيد الموجود بين ظهرانينا ، فالبلاد تذخر بالحكماء واصحاب التجارب فلماذا لا يتم الاستماع الى صوت العقل ؟ ألم يطالب جميع السياسيين السودانيين بضرورة تكوين حكومة قومية انتقالية تنظر في تحديات ما أصاب البلاد جراء توقيع اتفاق نيفاشا وتمهد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تأتي بحكومة منتخبة تقود البلاد والعباد الى بر الامان ؟ هل ستحمل الحكومة القادمة السلاح في وجه الرافضين الاعتراف بانتخاباتها سيئة السمعة ؟ وكيف ستقوم الحكومة التي جاءت بهكذا طريقة بتقسيم ( كيكة ) السلطة والجاه على اربعة وثمانين حزباً كل حزب يرى انه الأفضل ؟ لقد حان الوقت لتعترف الجهات التي اجرت الانتخابات وهندستها بانها ارتكبت خطأً فادحاً حينما ارادت المزايدة على استقرار السودان عبر تنفيذ بنود اتفاق نيفاشا ذو القنابل الزمنية الموقوتة لتطلق مزاعم الحرية والنزاهة والتداول السلمي للسلطة لإجراء انتخابات مضروبة لن تأتي الا بتلك الوجوه القديمة الكالحة التي خلفت وراء عشريتين كاملتين أكواماً من الفساد والإستبداد والدماء يضج من هولها أهل السموات والارض . لقد مضت حكومة الفساد القديم وجاءت حكومة الفساد الجديد لتعرض على خشبة مسرح السودان فصول جديدة من الإستنزاف للموارد والإستقطاب الداخلي الحاد لمكونات المجتمع السوداني السياسية والاجتماعية ، فصول لا تبدأ بتقرير انفصال الجنوب السوداني فحسب وإنما تفتح شهية الشيطان لتفجير الوضع في دارفور وشرق السودان للفوز بفاكهة التقسيم المحرمة خاصة وان الانتخابات المذكورة افرزت واقعاً جديداً من القناعة السائدة أصلاً بأن هؤلاء لا يمكن ان يتركوا البلد في حال سبيله الا ان تكون هنالك قيامة كبري ولذلك قدرنا ان اجراء الانتخابات بالكيفية التي تمت بها بأنها خطأ فادح مالم يتم إشراك الجميع بنسب معقولة لا تجعل السلطة والثروة في يد البعض وتترك بقية المشاركين مثل ( الممسكين بقرون البقرة ) فتلك حكاية يعرف تفاصيلها الذين شاركوا بشهود مأدبة اللئام .