معرض الخرطوم الدولي بدأ الدورة السابعة والعشرين مساء الاثنين الماضي، وتستمر حتى الثامن من هذا الشهر، وسط مشاركة تبدو متواضعة نسبياً، وهو ليس من المعارض ذات الشهرة الواسعة او التاريخ العريق كمعرض القاهرة الدولي ومعرض دمشق الدولي، وقد تسنى لي مشاهدة معرض دمشق الدولي في منتصف السبعينيات بدعوة خاصة مكثت خلالها بضعة ايام بعد انتهاء المعرض الذي حضرت جزءاً يسيراً منه. وخلال تلك الفترة شهدت الخرطوم انشاء اول معرض دولي لها بمواصفات دولية الى حد ما. ومع ذلك لا نستطيع القول بأن معرض الخرطوم الدولي لعب دورا فعالا في الترويج للصادرات السودانية او جذب الاستثمار، وإنما كان اقرب الى تظاهرة ترفيهية تعارفية.. الامر الذي ادى الى توقفه لعدة سنوات، وبعد ان عاد الى عقد دوراته لم يستمر ذلك طويلا، حيث تمت خصخصته ليخضع الى شركاء يديرونه وسط زخم إعلامي لا يتناسب مع الدور الذي يلعبه. لقد بدأ الاهتمام بالمعارض يتضاءل تدريجيا مع ظهور ما يسمى بالتجارة الالكترونية وتقنيات العصر الحديث في الاتصال كالنت وغيرها، مما جعل رجل الأعمال يتم صفقاته وهو بمكتبه عبر جهازه دون ان يسافر خارج البلاد.. كما ظهرت مؤسسات أخرى تقدم خدمات مجانية في شكل معلومات وفرص للصادر والوارد، مثل نقطة التجارة السودانية ومثيلاتها في البلاد الاخرى. ومع ذلك لا نستطيع أن نقول إن هذه التقنيات قد ألغت دور المعارض تماما.. فمازالت الكثير من الدول والشركات تؤمن بالوجود المباشر وتسويق منتجاتها عبر اللقاءات الثنائية التي تتم اثناء المعارض والمشاهدة عن قرب لامكانات البلاد التي تنظم مثل هذه المعارض، بالاضافة الى الدور السياحي الذي يمكن أن تلعبه مثل هذه المعارض من خلال عرضها لمختلف اوجه الفنون والنشاط البشري المتصل بها.. لهذا ظلت المعارض باقية وتحاول أن تطيل من عمرها الافتراضي بما تقدمه من تطوير وابتكار.. فهل فعل معرض الخرطوم الدولي ذلك؟ لقد اعتدت أن اشاهد معرض الخرطوم الدولي منذ سنوات طويلة، واشارك معهم احيانا متعاونا اعلاميا ومحللا اقتصاديا.. وطوال هذه الفترة لم اشاهد تطورا ملحوظا في تركيبة المعرض او اساليب ادائه... والدول التي بدأت تشارك أخيراً جاءت لأن لها استثمارات في السودان ولم يجذبها له معرض الخرطوم.. فالاتراك مثلا جاءوا ضمن خططهم الاستراتيجية في الانفتاح على افريقيا عبر بوابة السودان.. والجزائر التي تشارك في هذه الدورة بأكثر من اربعين شركة نعلم أسباب انفتاحها الاخير على السودان وليس من بينها معرض الخرطوم الدولي. وما لفت نظري في هذه الدورة، اشتراك ماليزيا التي لها ايضا استثمارات كبرى في مجال البترول، وتقول مصادر مجلس الصمغ العربي إنهم سيديرون معهم حوارا حول كيفية الاستفادة من تجربتهم في الترويج للصمغ العربي خاصة في شرق آسيا. والفكرة ليست جديدة، فقد أعددت مذكرة بهذا الشأن وسلمتها لأمانة المجلس حول امكانية الاستفادة من تجربة ماليزيا في الترويج وتسويق زيت الاولين، حيث قفزت صادراتها منه من بضعة مئات الآلاف من الأطنان الى ملايين. واقترحت على مجلس الصمغ العربي الاستفادة من هذه التجربة، بعد أن بينت خصائصها في مذكرتي ومكوناتها.. وكنت قد قابلت أعضاء المجلس الاعلى لصادرات الاولين عند زيارتهم للسودان قبل عدة سنوات بدعوة من شركة الحبوب الزيتية آنذاك، بعد ان اصبح السودان رقماً مهماً في صادرات الاولين، وذلك نتيجة للغباء الذي يسيطر على تفكيرنا دائما ونحن نملك افضل حبوب زيتية في العالم كانت أسعارها أضعاف أسعارالاولين. وعودة الى معرض الخرطوم الدولي، حيث نتمنى له النجاح وتحقيق مقاصده في الترويج لتجارة السودان الخارجية، بالرغم مما ذكرناه، التي لم تتضاعف عشر مرات كما جاء في خطاب اخينا السميح وزير الدولة بالتجارة، وانما هبطت الى 650 مليون دولار لترتفع قليلا في دائرة تتراوح بين 700 900 مليون دولار، وانا اتحدث عن الصادرات غير البترولية.