مواطنو السودان وجنوب السودان يأملون فى أن تفضي جولة المفاوضات الحالية بين وفدي البلدين فى إثيوبيا الى أتفاق نفطي ينعش وضع أقتصادي الدولتين المنهكتين ،ولا أعتقد أن أية صيغة لإستئناف تصدير نفط جنوب السودان عن طريق أنبوب السودان سوف تستمر طويلا بحسبان أن الجنوب يريد فقط فك ضائقته الحالية ريثما يفكر فى إيجاد بديل اخر، والسودان نفسه بحاجة الى أي دولار يأتيه من الجار اللدود للجم جماح الشارع الذي ثار تحت ذات الضائقة المعيشية ،لكن ليست قضية النفط الوحيدة التى تشغل بال المسؤولين فى الدولتين ، فهناك قضية الحدود والمناطق الخمس المتنازع عليها حسب وثيقة نشرتها (السوداني )اخيرا. هذه القضية سوف تسبب صداعا دائما لمسؤولي الدولتين وقد تجر القوات المسلحة فيهما لأستعراض القوة من وقت لاخر،لتأكيد ملكيتها لهذه المنطقة أو تلك كما حدث اخيرا فى هجليج، وذلك كلما دعت الحاجة الى ممارسة السيادة على الأرض بهدف ارغام الطرف الاخر على تقديم أقصي تنازل ممكن ،وهي (جودة) بمساحة 25 كلم2 والتي تقع في قطاع (أعالي النيل - النيل الأبيض)، أما المنطقة الثانية فتتمثل في منطقة المقينص بمساحة (425) كلم2، والتي تم تحديدها في (قطاع أعالي النيل - النيل الأبيض)، بجانب منطقة المقينص بمساحة 45 كلم2. المنطقة الثالثة الخلافية والتي تم تحديدها والاتفاق عليها بين اللجنة المشتركة للحدود بين الشمال والجنوب فحددت منطقة (كاكا التجارية) بمساحة 1230 كلم2، والتي تقع في (قطاع أعالي النيل - جنوب كردفان)، أما المنطقة الخلافية الرابعة فقد تم الاتفاق عليها بين أعضاء اللجنة بحسب الوثائق على أنها (حفرة النحاس وكافيكنجي) بمساحة 12600 كلم2، والتي تقع في (قطاع جنوب دارفور - غرب بحر الغزال). ومعلوم أن جنوب السودان لا يكتفي بتلك المناطق الخمس المتنازع عليها حدوديا بين البلدين بل تطالب بضم مناطق ( المشاريع الزراعية) فى جنوب غرب ولاية سنار. فضلا عن مناطق طروجى ، بحيرة الابيض، والقردود فى جنوب كردفان اضافة لمنطقتى هجليج التى أحتلتها اخيرا والخرصانة بعرض 100 كلم فى غرب كردفان ، علاوة على الميرم وابيى وسماحة فى شمال بحر العرب،ومن شأن ذلك أن يجعل الخرطوم فى موقف لا تحسد عليه فهي ستكون قد فقدت كل النفط الذي قامت باستخراجه من باطن الأرض للدولة الوليدة التى لا تريد أن تكتفي بالنفط فقط بل تطمع فى ضم مساحات معتبرة اليها.والخارطة التى قدمها الجنوب من خلال الوسيط الافريقي لمجلس الأمن تشير لنزعة توسعية لدولة جنوب السودان ولذلك نري أن موضوع الحدود سوف يستغرق وقتا طويلا حتى نصل لحل مرض للطرفين هذا إن لم يؤدِ الى حرب جديدة بين الدولتين سيما الوضع فى ابيي التى يتمسك كل طرف برؤيته للحل فيها . *مضى الثلث الأول: مضى بحمد الله الثلث الأول من رمضان ولم يتبقَ سوي ثلثين من الشهر الفضيل شهر رمضان شهر الخيرات شهر القرآن وشهر الغفران الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة). إن كثيرين منا أصبحت أحاديث الترغيب والترهيب لا تعني شيئا بالنسبة إليهم، الذي يؤثر فيهم أن يرغبوا بالدرهم والدينار ، الذي يهز كيانهم أن يوعدوا أو يتوعدوا بأمر محسوس يصيبهم في الدنيا، أما وعد الله تعالى ووعيده الذي هو في الآخرة فإنهم يرونه بعيدا وهو والله قريب ، إنه قريب منا ما رغبنا فيه وما رهبنا منه، إن من قسوة قلوبنا أننا أصبحنا إذا سمعنا الحديث عن الجنة والنار لا نتأثر! إنها الجنة تفتح أبوابها حتى لا يغلق منها باب، والنار تغلق أبوابها حتى لا يفتح منها باب، وينادي منادٍ المؤمنين الذين في قلوبهم الإيمان أقبلوا هلموا إلى رحمة الله تعالى، إلى مغفرته إلى عفوه إلى صفحه، تعالوا واستدركوا ما فاتكم، لقد قصرتم في أعمال، لقد ضيعتم أوقاتا، وفرطتم في عبادات وغفلتم وظلمتم واعتديتم وربما أشركتم وابتدعتم، كيف لانستفيد من الثلث الثاني من رمضان إن فرطنا فى ثلثه الأول؟ بل كيف لا نستفيد من ثلثه الاخير الذي فيه ليلة خير من عبادة الف شهر ؟ليس للمؤمن هم اليوم سوى هم القبول...فقد ثبت أنهم(كانوا يسألونه ستة أشهر أن يتقبله منهم..) ولقد ثبت عن سلفنا الغرّ الكرام أنهم:(كانوا يعملون فيصيبهم الهمّ والغم بعد العمل أكثر مما يصيبهم قبل العمل) وعن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:(والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة..) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال:"لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات" رواه الترمذي وابن ماجة وهو صحيح..وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما- قوله: "لئن قبل الله مني ركعتين إني إذا لسعيد لأن الله تعالى قال:"إنما يتقبل الله من المتقين".."إنما يتقبل الله من المتقين)..(إنما يتقبل الله من المتقين".. وننسي ذلك اليوم الرهيب يوم الحشر يقول ابن القيم فى مواعظه: إخواني تفكروا في الحشر والمعاد، وتذكروا حين تقوم الأشهاد: إن في القيامة لحسرات، وإن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات، وإن عند الميزان لعبرات، وإن الظلم يومئذ ظلمات، والكتب تحوى حتى النظرات، وإن الحسرة العظمى عند السيئات، فريق في الجنة يرتقون في الدرجات، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلاَّ أن يقال: فلان مات، وتقول: رَبِّ ارجعوني، فيقال: فات0 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم) نعم ننسي الاخرة بل وننسي قبلها الموت والقبر وعذابه وفى ذلك يقول الرافعي: تأتي الأيام وهي في الحقيقة تفرُّ فرارها؛ فمن جاء من عمره عشرون سنةً فإنما مضت هذه العشرون من عمره، ولقد كان ينبغي أن تُصحَّح أعمال الحياة في الناس على هذه الأصل البيِّن، لولا الطباع المدخولة، والنفوس الغافلة، والعقول الضعيفة، والشهوات العارمة؛ فإنه مادام العمر مقبلاً مدبراً في اعتبار واحد، فليس للإنسان أن يتناول من الدنيا إلا ما يرضيه محسوباً له ومحسوباً عليه في وقت معاً، وتكونُ الحياة في حقيقتها ليست شيئاً، إلَّا أن يكونَ الضميرُ الإنسانيُّ هو الحيَّ في الحيِّ ويقول الشيخ سلمان العودة متسائلا فى جلسة رمضانية: المنعمون في الدنيا إذا كانوا من أهل النار ماذا ينفعهم نعيمهم؟ ماذا تنفعهم لذة ساعة؟ ما تنفعهم القصور إذا صاروا إلى القبور؟ ماذا تنفعهم الأرصدة إذا ذهبوا إلى الدار الآخرة بلا رصيد؟ وماذا تنفعهم الأموال والأولاد والكراسي والمناصب؟ وماذا ينفعهم الجاه العريض في الدنيا إذا كانوا قد خرجوا من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، ولم يكونوا قدَّموا من الخير عملاً صالحاً؟ ولهذا قال الله عز وجل: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)(آل عمران:196-197).متاع قليل! أين فرعون؟ أين هامان ؟ أين قارون ؟! أين النمرود ؟ أين كسرى؟ أين قيصر؟! ذهبوا ولم يبق منهم إلا أسماؤهم وأعمالهم وآثارهم يذمون بها ويشتمون ويلعنون بها إلى يوم يبعثون.بل حتى ملوك المسلمين وخلفاؤهم الذين توسعوا في ملاذ الدنيا، وبنوا القصور وعمروها وشيدوها، وجمعوا الأموال، وحشدوا الجنود، وفعلوا ما فعلوا.. أين هم؟! أين قصر الحمراء، ومن بناه؟! أين قصر بني أمية في دمشق ؟ كلهم ذهبوا، ولم تبق إلا آثار درست، تقول للعقلاء: اعتبروا واتعظوا! ولذلك ينبغي أن نستثمر ما تبقي من أيام الشهر الفضيل فيما ينفعنا فى اخرتنا . *خطبة فى التنفير من الدنيا وخطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ( أيها الناس إن هذه الدار دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح.فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء. ألا وإن الله - تعالى - خلق الدنيا بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببًا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضًا فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، إنها لسريعة الذهاب، وشيكة الانقلاب. فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واحذروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها، ولا تسعوا في تعمير دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها - فقد أراد الله منكم اجتنابها - فتكونوا لسخطه متعرضين ولعقوبته مستحقين ) اعتبروا عباد الله ممن مات منكم، وتفكروا فيمن كان قبلكم، أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الجبارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميمًا، قد تركت عليهم القالات الخبيثات وإنما الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات. وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد بعدوا ونسي ذكرهم، وصاروا كلا شيء. ألا وإن الله - عز وجل - قد أبقى عليهم التبعات، وقطع عنهم الشهوات، ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلقًا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا، وإن اغتررنا كنا مثلهم. أين الوضاءُ الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ صاروا ترابًا، وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) أين من تعرفون من آبائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه، وأقاموا للشقوة أو للسعادة بعد الموت. ألا إن الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرًا، ويصرف به عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره. واعلموا أنكم عبيد مدينون، وإن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته، أما آن لأحدكم أن تحسر عنه النار ولا تبعد عنه الجنة؟ *قال الشافعي رحمه الله: ان الدنيا دحض مزلة،ودار مذلة، عمرانه الى خرائب صائر، وساكنها الى القبور زائر، شملها على الفرق موقوف، وغناها الى الفقر مصروف، الاكثار فيها اعسار، والاعسارفيها يسار، فافزع الى الله، وارض برزق الله، لا تتسلف من دار فنائك الى داربقائك.فإن عيشك فيء زائل، وجدار مائل، أكثر من عملك، وأقصر من أملك عواقب الأمور. *كاتب وصحفي مقيم بقطر