أقام مركز مامون بحيري ندوة حملت عنوان (الديمقراطية التوافقية طريقنا للاستقرار السياسي ) فى إطار مقاربة جديدة لتحقيق الديمقراطية في البلاد ، وتحدث صاحب الاطروحة البروفسور الطيب زين العابدين عن الديمقراطية التوافقية التي تراوحت ما بين المزج بالفلسفة والنظرية والتطبيق السياسي من خلال وضع خارطة طريق لاستدامة الديمقراطية التوافقية. بدأ استاذ العلوم السياسية بروفسور الطيب زين العابدين حديثه بتساؤل فلسفي عن ماهية المشكلة ؟ ولماذا نتحدث عن الديمقراطية التي لم يسمع بها البعض ؟ ومن ثم اجاب في فذلكة تاريخية سماها عجز السودان وقال ان عجزاً كبيرا منذ الاستقلال لم يحقق استقرارا سياسيا وتنمية اقتصادية ولم يفلح في اقامة دستور دائم الى ان وصل عدد الدساتير المؤقتة ثمانية ، واضاف حكمتنا انظمة عسكرية لمدة (45) عاما عبر الضبط والربط ومصادرة الحريات ومنع المشاركة السياسية لكنها عجزت عن تحقيق السلام ووحدة البلد، واضاف حكمتنا الانظمة الديمقراطية لمدة (11) عاما عبر فترات ديمقراطية ولم تكمل حكومة دورتها واشار الى عجز الحكومات الديمقراطية عن حماية نفسها وكتابة دستور واستخلص زين العابدين ان حصيلة التجربة اكدت انه « لايمكن حكم البلاد عسكريا وشموليا او ينفرد بها حزب واحد وانه لابديل للسودان من ديمقراطية متعددة تتيح التبادل السلمي للسلطة وتفتح مجال التنمية» . وقدم بروفسور الطيب شرحا لركائز الديمقراطية التوافقية الاربعة التي تبدأ من تحالف حكومي عريض ، وتمثيل نسبي واسع ، واستقلال مناطقي ذات خصوصية واستقلال ذاتي ، وحق النقد للاقليات ، مشيرا الى ان بروفسور امريكى قدم دراسات لحوالي ثمانية عشرة دولة في افريقا وآسيا خرجت من نزاعات واكتشف ان اهم عامل ساعد تلك الدول على تحقيق الاستقرار والسلام المستدام هى التمثيل النسبي والاستقلال المناطقي ويصف زين العابدين ميزات الديمقراطية التوافقية بان تداولها للسلطة يكون روتينيا ولايؤثر على الاحزاب وبذلك تكون مقبولة ، وتسهم في بناء تيار وسطي بالبلد يضعف من الشعور بالتهميش ، وتقلل من حجة الداعين لحمل السلاح . وفي تعقيبه على ورقة زين العابدين قدم البروفسور عطا البطحاني ملاحظة عامة ووصفها بأنها تحوي نوعاً من التناقض والتوتر ناتج من التبريرات والمسوغات المقدمة للديمقراطية التوافقية ، ولفت الى ان المفهوم حديث واكتسب زخماً وظهوراً مفاجئاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واهتمام الفلاسفة بحل مشكلة الاستقرار السياسي واشار الى ان الديمقراطية التوافقية جزء من منظومة افكار لايجاد وسيلة لدفع المجتمعات للتطور الديمقراطي على مراحل ،ؤكدا ان النقد الذي وجه لها كان مركزاً على النخب السياسية ودلل بامثلة على نجاح بعض الديمقراطيات التوافقية في جنوب افريقيا وماليزيا نتيجة جهود اشخاص مثل مانديلا ومهاتير محمد ، واوضح البطحانى ان هناك اشكاليات في تطبيق الديمقراطية التوافقية. وقال ان اشكالية بناء الهوية الوطنية في السودان تقف على مفترق طرق واشار الى ان الديمقراطية التوافقية تقوي من انتماء الفرد نحو جهته التي تتعارض مع الانتماء الوطني لافتاً الى حالة العراق الماثلة التي وصلت الى محاكمة نائب الرئيس لاعتبارات ومحاصصات جهوية ، وابدى البطحاني تعاطفه مع الورقة وقال انه ينظر اليها من ثلاثة زوايا، الاولى انها تعكس التطور في الفكر السياسي ، وثانيا تقدم قراءة نقدية بمثابة مناقشتها لتراجع السودان وقال « انها تمثل ردة غير مقبولة ونحن في عصر الثورات وبات المواطن ينزع للحصول على حقوقه الكاملة « ، وثالثا انه ليس من الضروري استباق الفرد الديمقراطي لاستحقاق الديمقراطية ، وفي ختام كلمته دعا البطحاني الى تحقيق جملة من الشروط لبناء الديمقراطية التوافقية مدخلها الحوار الوطني حول الفكرة عبر مراكز البحوث ، ووجود حاضنة اجتماعية وسياسية ، وقاعدة اسناد جماهيرية ، وحراك سياسي يوفر الارضية في اطار عقد سياسي . الدكتور غازي صلاح الدين في تعقيبه رأى ان الورقة خطوة متقدمة لاطروحة قابلة للجذب والشد وقال ان الورقة متميزة بإختيارها منهج نقد التجارب السابقة، ونوه غازى الى ان الدول الغربية ليس لها مصلحة في تحقيق ديمقراطية عادلة في السودان بل انها مهمومة بالضغط على الحكومة كما حدث في نيفاشا وحاليا في اديس ابابا ولفت الى انه في اطار استلامه لملف السلام اطلع على تجربة سويسرا في الديمقراطية التوافقية مؤكدا اندهاشه من نظام المحاصصة الدقيق في الكتل وشروط الاهلية والكفاءة في قطاعات البلد، واشار الى انهم وصلوا الى هذا النظام بعد سبع قرون من المنازعات ، واعترف غازي من وجهة نظر شخصية ان العدالة لازمة من لوازم النظام الفيدرالي وقال ان النظام الفدرالي عمق وطور من الجهويات الاصغر التي تفتقت عن هويات اصغر منها، وخلص في ختام تعقيبه انه يتفق مع الاطروحة مع اجراء بعض التعديلات عليها وقال « في سبيل الاستقرار السياسي اتعامل مع الاطروحة بكل جدية «.