لست أعلم سبباً واحداً يجعل الحكومة والاقتصاديين بالبلاد يصبرون كل هذا الصبر المخجل وهم يطالعون تدهور قيمة الجنيه السوداني امام العملات الاجنبية وارتفاع معدلات التضخم، بهذه الصورة القاتلة التي القت بنتائجها على كاهل المواطن البسيط، وظهرت آثارها على تغيير انماط استهلاكه، وتم حذف العديد من السمات بعضها يعد من الضروريات. والدولة تتفرج وكأن الامر لا يعنيها، لدرجة انها اولت اهتماماً لعلاقة لاعب بناديه الرياضي اكثر من الامور المعيشية الطاحنة، ولم تتم أية مراجعات ملحوظة للسياسة النقدية تعجل بوقف نزيف الجنيه السوداني، ولم نسمع حتى بتطبيق جاد لسياسة خفض الانفاق الحكومي التي اوعزت بأنها ستعمل على انفاذها ان لم يكن العكس قد حدث. موارد الدولة من النقد الاجنبي بعد خروج النفط باتت اكثر من محدودة، بل وأوشكت على الجفاف، فالصادرات في تدنٍ ملحوظ بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وما تفرضه الحكومة من ضرائب والتزامات وتعقيدات جمركية وعائدات العمل بالخارج باتت في مجملها تصب خارج النظام المصرفي، والسبب متعلق ايضاً بالسياسات النقدية المفروضة وغياب المحفزات لهذه الفئة التي تزداد يوماً بعد آخر القريب والبعيد يتلهف للحصول على تأشيرة سفر تبعده عن هذا الهم المتزايد. اليس بامكان الجهات ذات الصلة بأمر تدهور الجنيه الجلوس بصدق وتدارس الامر والاستعانة بمن هم خارج هذه الدوائر وحتى بخبرات اجنبية، لوقف هذا التدهور واتخاذ ما يلزم بقرارات اكثر جرأة تبدي خلالها تنازلات للعاملين بالخارج وتحفزهم لضخ مدخراتهم بالبلاد وتعويضهم بمنح امتيازات لتعليم ابنائهم بالداخل، بدلاً من القسوة التى يُعاملون بها في الظرف الحالي، والنظر اليهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. أما قضية الوفود المتنقلة بين جوبا واديس ابابا، فاقترح أن تحول مصاريفها الباهظة لمعالجة بعض الامور الحياتية، مثل توفير العلاج لمرضى الكلى، فكل يوم نتأكد ان نتائجها لا تتعدى تصريحات باهتة وابتسامات صفراء مزيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، وما هو مخطط له هو الذي سيمضى فإن كانت الحكومة عازمة على تقديم تنازلات لتخرج من المأزق الحالي، فلتذهب او تعود أدراجها وتبحث عن حل لقضاياها الاقتصادية بعيداً عن بترول الجنوب. أما التصريحات المبشرة التي نسمعها من المسؤولين يوما بعد يوم دون ان نرى طحيناً، اما ان تكون صدقا والفساد هو من ابتلع نتائجها وإما أن تكون نفاقاً وتخديراً يؤثم مطلقوها ومن يتلاعب بمشاعر هذا الإنسان البسيط الذي بات متعلقاً بكل ما يرى فيه الخلاص ، وسمعنا عن التعدين خاصة في الذهب وكميات تفوق الخيال، ومصنع هو الاول في افريقيا، وما زلنا نتراجع عن المربع الاول وعن مصانع سكر تنتج وتنتج، واوشك الناس العودة لشرب القهوة بالتمر، وعن مشروعات زراعية هنا وهناك والمواطن اصبح متفرجاً على السلع المعروضة في الاسواق من لحوم وخضروات وفواكه، والذين تمتلئ بهم شاشة التلفاز ليسوا هم المعنيون بكل ما يجري، فالنعمة بادية على وجوههم وليسوا ممن يعاني ويلات تدهور الجنيه المريع. وعناد وتعنت الحكومة ليس هو الحل، فالسودان مليء بخبرات اقتصادية احدثت تحولاً في اقتصاديات الدول من حولنا، ولتكن اكثر جرأة في الاستماع لما تحمل حناياهم، فلربما كان الحل بين ظهرانيهم.