(المرء مخبوء تحت لسانه( و(تحدث حتى أعرفك( حكمتان جرت بذكرهما الركبان منذ سحيق الأزمان ويقف على فحواهما كل ذي بال وجنان تحسبا وتفاديا لحصائلهما الموجبة لفضح ماهية الفرد وكشف ما يعتمل في جوفه من فكر وأدب وخلافهما من قيم وأخلاق تعكس بجلاء بين لا يحتمل اللبس الحكم على ما يجري به لسان المرء لجهة أنه ترجمة حقيقية خالية من دسم المداهنة والالتفاف لاسيما إذا ما جرى اللسان في لحظة انفعال صادق أو تحدٍ بائن مستفز للدواخل لا تقوى المخارج على الوقوف أمام مد طوفانه الجارف . ولعل الكلام عاليه ينطبق على كل إنسان ولا يقتصر على فئة دون أخرى كبر شأن الشخص أو صغر غير أن وقع السقوط في مزالق اللسان يكون أكثر إيلاما على الجنان حال صدوره من شخص يفترض فيه القدوة في كل شيء فعلا وقولا فما بال بعض قادة الحكم بالبلاد اشتهروا بإطلاق التحديات والألفاظ الجارحة والمستفزة لقوى المعارضة على وجه الخصوص تصغيرا وتقليلا من شأنهم وأنهم لا يقوون على فعل شيء أو تحريك ساكن قيد أنملة وينسى المتفوهون بعبارات الاستصغار والتهوين والتفنن في التقليل والذين على رأسهم شخصية اشتهرت بين الناس أنها موطن ومنبع للتقليل والتهوين من أمر الغير من مخالفي النظام أن لكل دور إذا ما تم نقصان فلا يغتر بطيب العيش إنسان ومن سره دهر ساءته أزمان وأن الحكم والتربع على سدته أمر رباني لا يد لإنسان فيه بنص القرآن الكريم في سورة آل عمران ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ( 26 ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب (27) وأن أكثر ما يؤسف ويحز في النفس أن تمتد وتتسع دائرة المستهينين بقوى المعارضة مهما صغر حجمها من الشعب الذي يفترض أن يجد أي فرد من بنيه الاحترام والتقدير والحمل على أكف الراحة وإن عارض أو ناكف الحاكمين لجهة أن الحاكم يجب أن يتحلى بالتسامي عن كل فعل شائن وأن يربأ بنفسه أن يقابل السيئة بمثلها أو ليس هو الوالي فينا شئنا أم أبينا ؟ أم أن الحكام والولاة عندنا كتبت لهم براءة من الزلل والإخفاق في توفير أساسيات واحتياجات العباد وليقل للرأي العام على الأقل بولاية الخرطوم واليها السيد عبد الرحمن الخضر الذي فجع العامة فيه بتأكيده أن المؤتمر الوطني سيكون المتحكم في أمر هذه البلاد إلى أبد الأبدين لما يحمل بين يديه من رؤية لتحقيق ذلكم الحلم الذي يكاد يجزم على عدم تحقيقه أي فرد يهيم على وجه البسيطة ليس من باب التقليل من شأن المؤتمر الوطني بل من قبل أنه لا يستقيم وسنة الله وحكمته في الأرض (وتلك الأيام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون( فإذا رب العزة في علاه تعهد بأن تكون الأيام دول بين العباد لحكمة بالغة المقصد منها التفكر في ملكوت وجبروت الخالق فهل نسي الخضر في غمرة نشوته بقوة سلطانه وتبوئه لمقعد الولاية وسيطرة المؤتمر الوطني على مقاليد الحكم بالبلاد أنه بتصريحه الجارح كأنما يقف سدا منيعا أمام حكمة الله في الخلق ويريد أن يمنع تداول الأيام بين العباد وغاب عليه أنه مهما استمر وحزبه في سدة الحكم أنهم يوما إلى زوال وأنهم لن يحكموا إلى أبد الآبدين كما صرح ويتمنى لسبب بسيط خلاصته أن تربع المؤتمر الوطني أو أي حزب أو فرد واستئساده بكعكعة الحكم إلى الأبد سيعطل حكمة التفكر التي أرادها الله من تداول الأيام فهل سيصمد الخضر أو خلافه أمام إرادة الله ما لكم كيف (تحكمون( ؟ ودعونا نساير سيادة الوالي في أمنيته التي أتمنى أن تكون مجرد أمنية لا يقينا وتأكيدا على تربعه أو حزبه إلى الأبد ولنسله ابتداء أنسي أنه منتخب من قبل الشعب ؟ وطالما الأمر كذلك من أين له التأكد من حكمه إلى الأبد ؟ أو ليس الكلمة إذا في المقام الأول والنهائي للشعب بأن يستمر الوطني أويغيره في تسيير أموره وشؤون حياته ؟ هذا بمنطق الديمقراطية والشورى الذي ركله سيادة الوالي وجعله نسيا منسيا وراء ظهره بتصريحه أنهم سيحكمون إلى الأبد ! ونردف هل قدم الوالي وحزبه للشعب من خدمات وتسهيل أمور الحياة ما يشفع لهما وأن يجعلهما هانئين متنعمين بدفء الحكم إلى الأبد ؟ فالإجابة من واقع الحال لا وألف لا . فالخرطوم التي يهتم واليها بافتتاح شارع النيل وكورنيشه وكثير من طلاب مدارس الأساس بها لا يجدون ما يسدون به رمق بطونهم الخاوية التي طواها الجوع و المسغبة فمن الأحق بالاهتمام إشباع الأفواه أم كورنيش النيل ؟ فالخرطوم عاصمة البلاد التي أضحت قبلة أفئدة العباد من كل حدب وصوب من الأصقاع في ظل هيمنة المؤتمر الوطني ويقف على سد ثغرتها الخضر تعاني الأمرين في قطاع الخدمات التي يتوجب على واليها تقديمها لمواطنيها الذين أصبحوا يكدون ليل نهار للحاق بقضاء مهامهم وتلبية احتياجاتهم الضرورية من مأكل ومشرب ومسكن ومواصلات ولعل المطلب الأخير لوحده كافيا لقصم ظهر الوالي دون الخوض في ما سواه من مطالب أساسية تبعد فراسخ وأميالا عن الرفاهية فهل كلف الوالي نفسه يوما عناء الخروج من مكتبه عقب مغيب الشمس للوقوف على حجم معاناة رعيته وهي تكابد مشقة الظفر بمقعد بأية مركبة عامة سمح لها غياب الرقابة إعمال سيف جشع أصحابها وسائقها في نهش جيوب المواطنين دون أن تطرف لهم عين أو يخشع لهم قلب أو يخشون مساءلة الجهات الرسمية التي يبدو أنها آثرت الغياب والاختفاء عندما علمت بقلة حيلتها وهوان جهدها في حمل المواطنين على أكف الراحة التي اقلها توفير سبل المواصلات، فعدم قدرة الوالي ورهطه على توفير المواصلات وحده قمين بأن يقلل من مكانته في نفوس مواطنيه فليدع سيادة الوالي امانيه المستحيلة وليقبل على هموم مواطنيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا وليعمل على أن يسعد نطقه إن عجز عن توفير الخدمات لشعبه والفقر يعمل آلته الصدئة في المواطنين والمرض يتناوشهم والسوق وغلاؤه يحاصرهم فعلى الأقل يا سيادة الوالي ومن باب الرفق برعيتك أن تسعدهم بنطقك لا أن تعمل على مضاعفة جراحهم بتصريحاتك ولتتلبب قول الشاعر لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ وكان الله في عونك يا إنسان وطني