تعتبر كرامة البليلة احد اهم الطقوس التي بدأت تندثر، وتتمثل كرامة البليلة في عمل البليلة من الذرة او الدخن بواسطة كبار السن من النسوة، ويقمن باعدادها في بعض الاحيان في اناء واحد، وقد يعمدن الى عملها بشكل منفرد، اي ان تقوم كل سيدة بعمل البليلة في اناء خاص بها، وغالباً ما تقام البليلة في ميدان عام خارج القرية وسط صيحات وألعاب الاطفال الذين يتحلقون حول الكرامة، وعندما يكون الهدف هو الابتهال لله في انزال المطر تكون هنالك اهازيج وابتهالات لله بانزال المطر. وكثيراً ما «تشد» البليلة بعد صلاة الجمعة مباشرة، وتبدأ الطقوس بتجمع الاطفال عند المساجد، ثم توجههم نحو موقع الكرامة، ويقوم الصبية بحجز المواقع للحبوبات اللائي كنا في بعض الاحيان يجمعن البليلة من كل البيوت، وظل الناس يؤمنون بتلك الطقوس، وكثيراً ما كانوا يرجحون ان هطول المطر جاء بفضل توسلهم لله باولئك النسوة المعمرات واللائي بتن اكثر ارتباطاً بالمسجد والمسبحة التي باتت احد ابرز معالم معاصمهن. وبرغم اختفائها ما زالت تتراءى تلك المشاهد في اذهان منسوبي تلك الاجيال من اطفال السبعينيات وقد حملوا البليلة على رؤسهم وهم يجوبون القرية يعطون كل بيت ما لذ وطاب، ومن اخطر العيوب التي قد تواجه معشر المتعاطين لها الحصى الذي يعتبر قاصمة الظهر، وفي حد ذاته إساءة بالغة لتلك التي قامت باعدادها. يقول محمد المهدي الحاج إن تأخر قدوم الطفل الأول يتطلب التوسل بالبليلة، كما يعمد أهل السودان لعمل البليلة «لتهوين» القاسية ونيل الصعب من الامور. ويقال أن فلاناً نجا من الحادث بكرامة البليلة، والهلال نجا من الهزيمة بكرامة البليلة!! وتقسم السارة بت ابدروس من هضبة المناقل بأن كرامة البليلة مستمدة وراسخة في الثقافة الدينية الاسلامية، حيث الهدى والتقرب الى الله. فيما نجدها ايضا تنتشر عند القبائل غير المسلمة بهدف استدرار الامطار للزراعة، و نجد تلك المجموعات تنثر الذبائح وتعد البليلة التي تسبق الحصاد، كما تستخدم لكسر طلاسم السحر. ويقول المواطن مختار محمود إن قيام المعمرات من النساء بعمل البليلة في حرم القرية كان أمراً شائعاً ومألوفاً في قريته الواقعة في الجزيرة، حيث لا تمر ايام الجمع في القرية من دون كرامة البليلة في كثير من المناسبات، لتوفر محصولي الذرة والدخن. وتتعدد اسباب كرامة البليلة، ومنها النجاة من الحوادث والشفاء من مرض عضال، والكرامة للحجيج وللرحيل في منزل جديد، مشيراً الى ان كل اهل القرية يأكلون من البليلة. وقالت ناجية مصطفى ربة منزل: ان الزمن تغير كثيرا ولم يعد الجيل الحالي يهتم بهذه العادات في ظل اللهث وراء لقمة العيش، كما اصبح ينظر الى كرامة البليلة بشيء من الاستعلاء حتى من ابناء الريف الذين سكنوا المدينة، ولهم عذر مع منازل الخرطوم الضيقة التي لا تتسع للضيوف، مشيرة الي ان النساء يولين اهتماماً خاصا للكرامة التي يتم اعدادها في يوم السماية وعند خروج النفساء بعد أربعين يوماً، وخروج المطلقة من العدة، وخروج الارملة من الحداد، وان النساء يهتممن كثيراً بالكرامة أكثر من الرجل. حازم حسن طالب الانثربولوجيا الاجتماعية، يقول إن طقوس البليلة واعدادها منتشر في السودان منذ عهود الممالك النوبية القديمة، حيث تعد مع الذبيح أمام المدافن الملكية للكوشيين في طقوس أقرب لطقوس ذبائح «الزار» الحالية التي تنتشر في بعض اقاليم السودان، حيث يجلب الخروف بمواصفات معينة يحدد فيها لونه، ثم يقومون بطلاء أرجله ب «الحنة»، مشيراً إلى ان الضائقة الاقتصادية ساهمت في تقليل الاهتمام بهذه العادة لكنها لم تستطع الغاءها، موضحاً أن في مناسبة الزواج وحدها يتم الذبح مرتين، مرة عند انعقاد المناسبة ومرة أخرى عند عودة العروسين من شهر العسل، ومرة ثالثة عند دخولهما منزلهما، وهي الذبيحة التي تسمى «الحلالة».