يتوارون خلف أضواء حواضر ولايات الشرق الثلاث .. القضارفوكسلا والبحر الأحمر، بعيدا عن انظار المسؤولين وموظفي المحليات .. تبرق عيونهم بوميض الامل في مستقبل مشرق بلا دموع .. بيد ان احلامهم تتحطم في صخرة تداخل الصلاحيات وتضارب المصالح ورغبة المسئولين في الاهتمام بمشروعات العائد السريع من ناحية الاعلام .. ينزون بعيدا عن مسارات عجلات الدفع الرباعي لمركبات الولاة .. لم يصلهم احد ولم يسبر مسئول على الدروب التي سار عليها اطفال الشرق .. حفاة .. عراة .. انهك العطش والضنك اجسادهم الهزيلة .. على طريق الآلام يمضون .. وعلى مذبح الاهمال يعانون .. وحده صوتهم وصورتهم من ينطق بمأساتهم ( الصحافة ) ارهفت السمع الى آهاتهم وشهدت بعين العدسة على نحيبهم الخافت الأسرى الصغار من بزوغ شمس الصباح الى موعد المغيب يخوضون معركتهم في جلب المياه لعائلاتهم ، تتكرر رحلاتهم بيد ان ازمنتهم لاتزال كما هى .. ومعاناة ماضي ايامهم لاتزال تلاحقهم ، وحاضرهم مؤلم يقضونه جيئة وذهابا في رحلات لامتناهية من الالم .. بينما المستقبل المظلم يلوح لهم هلموا الينا مسرعين لتدخلوا في زمرتنا .. ومهما كان خط سيرهم في حلة حاج سيد بالقضارف او قرقر بمحلية تلكوك بكسلا او في القنب والاوليب بالبحر الاحمر فإن رحلة آلامهم ستستمر الى الابد مع قصور دور المحليات . أطفال من زمن ( رطب ) مهما اختلفت سمات وجوهم وألوان ملابسهم بيد انهم جميعا يشتركون في انتعال احذية بلاستيكية يسميها الناس ( رطب ) سخرية من شدة سخونتها صيفا و صلابتها شتاء على ارض محلية الشواك الصلدة ، و( الرطب ) حذاء صمم لمواجهة تقلبات ظروف الخريف بيد ان رخص سعره لجهة صناعته من لدائن البلاستيك ساهم في انتشاره في اوساط اطفال الشرق وبات المفضل من قبل اولياء امور الاطفال الفقراء . عالقون في فخاخ الموت متنقلا من مكان لآخر يحمل متاعه القليل .. باقة ماء و( صرة ) من حاجاته .. يجوب انحاء محلية تلكوك بولاية كسلا ، يمضي ولا يدرك الخطر المحدق ، ويعتبر سكان كسلا الذين يربو عددهم قرابة المليونين نسمة اكثر سكان السودان تنقلا مع مواشيهم من مكان لآخر بحثا عن موارد الغذاء والمياه الشحيحة اصلا ، ويشير تقرير ( وضع الاطفال في السودان 2011) الى مشكلة الاطفال ذوي الاعاقة والذين يشكلون (4.5) % من مجموع الاطفال في الولاية نتيجة لظروف انعدام الامن الذي شهدته الولاية، فمناطق واسعة من الولاية تقع على الحدود الارترية مزروعة بالالغام الارضية والاطفال هم الاكثر عرضة لهذا الخطر ويرجح التقرير بان يكون هذا من اسباب ارتفاع عدد الاطفال من ذوي الاعاقة دون سن الخامسة . أطفال تحت الحصار بين الآبار المعطلة والقصور المشيدة مع تعطل آخر بئر في منطقة ( أدوان ) بمحلية طوكر ولاية البحر الاحمر قبل حوالي شهر مترافقا مع اهتمام ولاية البحر الاحمر بالمهرجانات وتطوير المنتجعات يدفع الاطفال في الريف ثمنا باهظا .. اذ تزيد رحلة معاناتهم بحثا عن جرعة ماء وقد تستغرق الرحلة اياما عدة ، ومع توقف معظم المشروعات الزراعية فإن معظم السكان باتوا يعيشون في المناطق القاحلة والجبال التي تفتقر الى الحد الادنى من سبل الحياة ، وباتت السمة المميزة للبحر الاحمر هى ( العطش ) وتعطل الآبار التي تحولت الى شواهد تحكي قصة اهمال المسئولين للريف ، ويدعو التقرير الذي اصدرته اليونسيف بالاشتراك مع المجلس الاعلى للطفولة الى ضرورة توفير موارد للتنمية الريفية من اجل تحسين خدمات المياه والصرف الصحي وتقليل التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية . رجاء .. لاتبريرات ولا وعود الأطفال أبرياء .. لايعرفون معنى تعطل البئر وانقطاع الكهرباء وشح الامكانيات وطالما كانت حنفية الماء تضخ الماء ذات يوم فإن الصغار سيأتون الى محطة توزيع الماء بمنطقة المنصورة بمحلية الشواك .. لن تقنعهم اجابات المسئولين او حسرة القائمين على تشغيل الآبار بمحدودية الامكانات .. كل ما يعرفونه هو ضرورة الحصول على الماء في اي مكان او زمان . المحجوبون عن الأنظار بعيدا عن الانظار وفي اقصى الاماكن يعيش محمود على الضفة الغربية لخور بركة .. لا يهمه كثيرا معرفة اسماء المسئولين .. الذين ما وطئت اقدامهم قريته او سألوا عن حالها .. لايدري بهم احد .. سوى جباة الايرادات ، بعيدين عن خطط التنمية والبنية التحتية ومع محدودية الوصول الى خدمات التعليم والصحة فإن معاناة محمود ستزداد . عطلة صيفية ببراءة ممزوجة بحزن دفين اوضحتها ملامح وجهه قابل طفل يدعى حامد(15 عاما ) بمنطقة قباتيت بمحلية حلايب سؤالنا المتعلق بالعطلة الصيفية وكيف يقضيها بدهشة وتعجب وقال بعد ان شرد ببصره بعيدا :لا اعرف كيف يقضي التلاميذ في المناطق الاخرى عطلتهم الصيفية ولكن نحن في حلايب نعتبرها سانحة طيبة للعمل في الكثير من المهن مثل المباني والعتالة وصيد الاسماك وذلك حتى نستطيع توفير (مصاريف) المدرسة ،ويكشف عن فقر اسرته وعدم قدرة والده على العمل بعد تعرضه لاعاقة جراء حادث حركة تعرض له قبل ثلاثة اعوام .حكاية الطفل حامد لاتختلف عن كل الاطفال الذيي التقيناهم خلال جولتنا الصحفية بأرياف ولايات الشرق الثلاث ،فالعطلة الصيفية تعني لهم سانحة طيبة للعمل من اجل توفير متطلبات العام الدراسي في الوقت الذي يحظى فيه اترابهم بالعاصمة والمدن الكبرى بقضاء إجازة حافلة بالنشاطات الرياضية والترفيهية . الحرمان من الحقوق بالنسبة لآمنة ذات الخمس سنوات فإن الحصول على فرصة بالتعليم والوصول الى الخدمات الصحية في محلية تلكوك يبدو صعبا ، فالفتيات والنسوة في محليات الشرق الثلاث يسافرن لمسافات طويلة للوصول لمراكز الخدمات الصحية ، ويعاني اطفال تلك الولايات من نقص فرص التسجيل وتظهر دراسات ان اكثر من 40 % من اطفال السودان غير مسجلين مما يحرمهم من حقوقهم في الحصول على الخدمات الضرورية ، وتعتبر اليونسيف ان اطفال المناطق الريفية هم الاكثر استفادة من تسجيل المواليد فتسجيل المواليد يوفر لهم الحقوق المدنية والاجتماعية التي يجب ان تكفل لهم كمواطنين والتي تمنحهم المزيد من فرص التعلم وتضمن حمايتهم من التجنيد المبكر في الجيش او من القوانين الاخرى المرتبطة بالعمر بصورة فعالة وأقل تكلفة .