تقرير : عبدالوهاب جمعة: لم يكن القاء القبض على عصابة متخصصة في تجارة البشر بالشريط الحدودي في مناطق القلابات السودانية وشنقا وشهيدي الاثيوبية ، والمكونة من »20« اثيوبياً و»5« سودانيين نتيجة لتعاون الاجهزة المختصة بالبلدين وحسب، بل هي افراز طبيعي للتعاون السوداني الاثيوبي علي مستوي الحكومتين المركزيتين، لينسحب هذا علي العلاقات بين الولايات والاقاليم والمحليات المتاخمة لبعضها على طول الشريط الحدودي بين البلدين. وكانت المباحثات السودانية الاثيوبية التي التأمت اخيرا في اقليم الامهرا بين محليات الدندر- القريشة - باسندة - القلابات الشرقية وتلك التي تحادها علي الجانب الاثيوبي ،توصلت الي اعادة 150 ألف فدان من المساحات الزراعية التي تغولت عليها المليشيات الاثيوبية في الفشقة الكبري شرق سندس والفشقة الصغري، و الزراعة البستانية شرق العطبراوي ، وبدأت امس المباحثات الامنية بمدينة خشم القربة والتي تضم القيادات العسكرية للقوات المسلحة بولايتي سنار والقضارف وكسلا بمشاركة القيادات العسكرية باقليمي غرب التقراي و الامهرا لبحث تأمين الشريط الحدودي بالولايات المجاورة وفق خطة أمنية مشتركة، والعمل علي محاربة تجارة البشر وبسط الأمن وذلك في اطار البروتوكول السوداني الاثيوبي الموقع بين الطرفين . ووفقاً لمراقبين فان العلاقات الاثيوبية السودانية باتت احد انجح النماذج في تطوير المناطق الحدودية مما دعاهم الى ضرورة اقتباس روح التعاون الاثيوبي السوداني لتطبيقه على دول الجوار مع السودان. وهنا يشير السفير الاثيوبي لدى الخرطوم عبادي زمو الى ان البلدين كونا لجانا للتعاون بينهما تعقد اجتماعاتها بصورة منتظمة في الخرطوم واديس ابابا مثل اللجنة السياسية العليا التي تجتمع كل عامين ، واللجنة المشتركة لتنمية الحدود، واللجنة الاقتصادية المشتركة ،واكد استمرار التعاون بين البلدين في مجال السلام والمسائل الامنية وقبول اثيوبيا للانضمام الى اللجنة الرفيعة للاتحاد الافريقي لحل النزاع بين السودان وجنوب السودان ، ولفت الى جهود اثيوبيا في دفع علمية السلام بدارفور ومبادرة حوض النيل واطروحات التعاون الاثيوبي السوداني والتركي ، وكشف عن استمرار لجنة اعادة ترسيم الحدود التي سترفع تقريرها لقيادة الدولتين . اما مساعد الامين العام للشؤون السياسية بالحزب الاتحادي الديمقراطي السماني الوسيلة يشير الي ان طبيعة العلاقة والتعايش بين الولايات والاقاليم الحدودية امتد لفترة طويلة ،مشيرا في حديث ل«الصحافة» الى ان الخلافات بين سكان تلك الولايات الحدودية كانت تحل عبر الطرق التقليدية، واعتبر ان مقدرة اولئك السكان في حل مشكلاتهم توضح الى اي مدى ان مصالح الناس تدار وفق تعاملهم ، ويؤكد السماني الوسيلة ان ربط الشعوب بالمصالح المتبادلة يعزز من استقرار تلك المناطق الحدودية ويسهم في خلق اجواء التعاون الشامل. ويشير الوسيلة الي ان مصالح الناس لاتنحصر في العلاقات السياسية بين الدول ،بل باتاحة المجال لهم للتواصل وتبادل المنافع بعيدا عن ظلال السياسة ، ويدعو الى توسيع وتنشيط الاتفاقيات التنفيذية ،ويفرق وزير الدولة بالخارجية الاسبق بين الاتفاقيات التنفيذية والبروتكولية لجهة ان الاولى تلمس حاجات الناس اليومية ، ويؤكد انه عندما تنفذ تلك الاتفاقيات بعوامل الانتاج ستحقق مصلحة الناس على طرفي الحدود مضيفا « ستصبح الحدود للعلم فقط ». لكن قد تواجه العلاقات الجيدة في الحدود السودانية والاثيوبية اوقاتا عصيبة فما هو الحل لتلافي تلك المهددات ، السماني الوسيلة يجيب « الضامن الوحيد من كل الاخطار والتهديدات . . هم شعوب الحدود ، سيدافع الناس عن مصالحهم » ،ويدعو السماني الى مزيد من حرية الحركة والبضائع بتسهيلات حكومية من الجانبين لضمان استفادة ناس الحدود من ثمرات العلاقات الجيدة . ويعترف معتمد محلية باسندة احدى محليات ولاية القضارف المتاخمة للهضبة الاثيوبية علي محمداي الطاهر ، بان العلاقة المتميزة بين قيادات ولاية القضارفواقليم التقراي كانت موجودة قبل تقلده ادارة المحلية ، ويكشف ل«الصحافة» ان حكومة الولاية منحتهم صلاحيات لضمان استقرار الوضع الامني واستمرارية التعاون الاقتصادي ، واكد انه تربطهم علاقات ممتدة مع الجانب الاثيوبي، لافتا الى تنفيذ العديد من البرامج الثقافية والاجتماعية والرياضية بصورة راتبة ،بجانب تبادل السلع ذات الفائدة للجانبين ، وقال محمداي ان هناك اجتماعات شهرية بين محليات الحدود بين الجانبين لحل الاشكالات، كاشفا عن اتفاق تبادل المجرمين والقبض عليهم واعادة كل طرف لمجرمي الطرف الاخر ، مضيفا « القانون يأخذ مجراه مع اي مواطن سوداني او اثيوبي يتجاوز القانون» ،لافتا الى اي مشكلة تحل في وقتها دون ابطاء او تسويف من الجانبين ، وينفي محمداي وجود اي مهددات حالية في الحدود ،مشيرا الى ان الحدود باتت كالشجرة التي يحرص كل جانب على رعايتها لازدهار حياة مواطني حدود البلدين ، وقال ان ترسيم الحدود شأن قومي وهناك لجان تعمل في الامر . لكن طالما كانت العلاقات متميزة على المستوى المحلي على طرفي الحدود ، فما هى الضمانات لعدم رجوع الامور الى المربع الاول وسيادة مفهوم الصراع على مبدأ التكامل السائد حاليا ؟ يجيب المختص بشؤون الحدود السودانية الاثيوبية والمقيم بمدينة القضارف صديق حسن فريني ،ويقول ل«الصحافة» ان طبيعة التعامل في الحدود السودانية الاثيوبية تعد نموذجا بناءً للتعاون بين الجانبين، داعيا الى اعتباره ارفع نماذج التعاون الحدودي بين دول المنطقة ، ويلفت الى ان قيادات الدولة الاثيوبية يكنون مشاعر الشكر للسودانيين الذين آؤوهم خلال سنوات المجاعة والحرب في اثيوبيا . يؤكد فريني ان بروتوكلات التعاون بين البلدين انتقلت من تعاون بين دولتين الى علاقة بين ولايتين تنزلت الى مستوي محلي باشتراك المحليات السودانية والاثيوبية في اجتماعات دورية لضمان تنفيذ تلك البروتوكلات. ويكشف فريني جانبت مهمت من تميز العلاقات الاثيوبية السودانية بتحول تلك الاتفاقيات الى لجان تخصصية تناقش تفاصيل دقيقة وحياتية على مستوى المحليات والوحدات الادارية. وطالما هناك علاقات متميزة لابد من لحظات توتر او مهددات تقلق مضجع الولايات الحدودية فما هى تلك المهددات ؟ يؤكد الفريني ان هناك عاملين سيظلان مصدر ازعاج : المعارضة الداخلية الاثيوبية التي لا تريد استمرارية تلك العلاقات لاعتبارات سياسية داخلية ، و المجموعات المتفلتة التي اكد فريني انها تحمل اجندتها الخاصة بمضايقة المزارعين السودانيين الذين يملكون جماعة ضغط قوية في ولاية القضارف لتفجير الاوضاع في الحدود. لكن لماذا لا تعتبر الحدود واعادة ترسيمها احد المهددات ؟ مرة اخرى يجيب المختص بشؤون الحدود السودانية الاثيوبية صديق فريني بالقول :هناك لجان اتحادية من اثيوبيا والسودان تناقش مسائلها ويؤكد ان بداية عمل تلك اللجان كان قويا بيد انه بدأ يشهد نوعا من البطء نتيجة ظروف داخلية بكل من السودان واثيوبيا ،مضيفا « في لحظة استعداد كل جانب لمناقشة الامر يكون الطرف الاخر في لجة مشكلة داخلية تشغله عن التعاطي بسلاسة » ،ويلفت فريني الى ان الاتفاقيات المنفذة ومتابعة تطورها والتجانس بين سكان الحدود خففا من اشكالات ومسائل الحدود ،مشيرا الى تكون منظمات مجتمع مدني في جانبي الحدود يعملون على تطوير المناطق الحدودية بجانب جهودهم الخاصة في « حلحلة » المشاكل وفض النزاعات ، ويكشف فريني ان الارادة المشتركة متوفرة لدى الجانبين واعتبرها اهم عامل تكامل بين سكان الحدود الاثيوبية السودانية .