تقرير : اشراقة الحلو : واجهت تجربة التمويل الأصغر العديد من الانتقادات من قبل الخبراء الاقتصاديين ونعتها بعضهم بالفاشلة لصغر حجم التمويل ، وقال اخرون انها لم تحقق النجاح رغم الجهود التي بذلت لاجل تفعيل دورها، غير ان مخرجات تجربة التمويل الأصغر لم ترق للمستوى الذي خطط له اذ لم تأخذ صفة الزام الجهاز المصرفي ما جعل البنوك توجه نسبة ضئيلة تتراوح بين 2-3% بدلا عن 12% وذهبت فئة ثالثة من الخبراء الي ان ارتفاع معدلات التضخم هزمت الفكرة ودعا هؤلاء ايضا لايقاف التجربة الي حين ثبات متغيرات الاقتصاد الكلي. ورأى مصرفيون ان البنوك التجارية لم تستكمل الاستفادة من نسبة 12% المخصصة للتمويل الاصغر لارتباطها بتطوير آلية التمويل الأصغر المتمثلة في الهياكل و الكادر البشري والجوانب الفنية الاخرى ، و ارجعوا ضآلة نسبة الاستفادة منه والتي قدرها بنك السودان بحوالي 3% الى حداثة التجربة و ضعف الوعي المصرفي وقلة المؤسسات التي تعمل في هذا المجال مقارنة مع الطلب على التمويل بالاضافة لبعض الشروط التي تحول دون الحصول على التمويل خاصة مسألة اهلية العميل. وصف الخبير الاستراتيجي في الاقتصاد والزراعة والقانون رئيس حزب المستقلين القومي التلقائي بروفسير مالك حسين تجربة التمويل الأصغر بالفاشلة، مشيرا الى جملة من الاسباب ساهمت في فشل التجربة اهمها صغر حجم التمويل بصورة لا تفي بغرض الاستثمار باعتبار ان الاستثمار المجدي يحتاج لرأس مال مجزٍ. وقال بروفيسور مالك حسين ان التمويل الأصغرعليه تكاليف رأسية تزيد من التكلفة الكلية في ظل صغر مبلغ التمويل، مشيرا الى ان التكاليف الرأسية على الاستثمار باهظة ومنسوبة لرأس المال الصغير، الامر الذي ينسحب على تقليل الارباح او عدمها ، واضاف ان التمويل الأصغر مغري لكي يستعمله المتلقي في اغراض ليس لها علاقة بالاستثمار ، واشار الى ان كثيرين ممن يذهبون للحصول على التمويل الأصغر يريدون حل مشاكل خاصة ليس لها علاقة بالانتاج مما يعد اهدارا للمال العام وعدم الاستفادة منه ، وقال ان حجم التمويل الأصغر مجتمعا يمثل رقما كبيرا لكن عندما يوزع على الطالبين له يكون عديم الجدوى، قائلا اذا كان هناك تمويل أصغر لابد ان يجمع في رأس مال ذي جدوى وعائد عبر زيادة حجم المشروع بما يزيد من ارباحه ويصبح ذا عائد للافراد الذين يدخلون هذا الباب . واعتبر من جاءوا بفكرة التمويل الأصغر عديمي المعرفة بالاقتصاد، واعتبر التمويل الأصغر تبديدا للمال العام ويصبح حال المستثمر «لا كعب بلغ ولا كنانة» واعتبر التمويل الأصغر وفق النهج الراهن هزيمة لاستراتيجية محاربة الفقر ويؤدي بالمتلقين الى السجون نظير مبالغ لاتساوي شيئا ليبقوا الى حين السداد ، واشار الى ان هناك ارامل ونساء وشباب كثيرين دخلوا في التمويل الأصغر بغرض الاستفادة واصبحوا وراء القضبان. من جانبه يري الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير ان التمويل الأصغر لم يحقق النجاح المراد حتى الان على الرغم من المجهودات التي بذلت باعتبار انها لم ترق للمستوى الذي تم التخطيط له حيث لا زال الفرق بين المجهود والتنفيذ الفعلي كبيرا، واضاف ان بنك السودان منذ عدة سنوات وجه المصارف عبر سياساته النقدية الي تخصيص نسبة 12% من حجم محفظة التمويل للتمويل الأصغر. وقال الناير ان هناك حديثا عن وصول النسبة الى15% وهو مبلغ مقدر لا يقل عن 3 مليارات جنيه اذا التزمت المصارف بتوجيهه للتمويل الاصغر ويمكن ان يسهم في تغيير الحالة الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة لعدد كبير من شرائح المجتمع، غير ان الناير استدرك قائلا ان قرارات بنك السودان في كثير من الاحيان لا تأخذ صفة الالزام ما يتطلب الزام المصارف بسداد هذا المبلغ وتكوين محفظة متخصصة في التمويل الأصغر تودع فيها المبالغ سنويا وتدار عبر البنوك المتخصصة. وحذر الناير من تفلت المصارف ما لم يأخذ الامر صفة الالزام ، مشيرا الي ان المصارف لم تلتزم الا بنسبة « 2-3% » باعتبار ان البنوك لازالت تمول من لديهم الامكانات و الضمانات، مشيرا الى عدم التطور في الانتقال الى الضمانات غير التقليدية و اعتبر ان طالبي التمويل الأصغر ليس لديهم القدرة لتقديم الضمانات العادية وان الضمان داخل البنك يواجه بالعديد من الصعوبات. واكد على اهمية وجود العديد من دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي يجب ان تمول ليستفيد منها الاقتصاد ويسهل على طالب التمويل ان يجد دراسة متكاملة عند تحديد المشروع ، داعيا ان يوجه التمويل الأصغر لمشروعات انتاجية من شأنها ان تسهم في تحسين مستوى المعيشة وخلق الوفرة في الانتاج بدلا عن تمويل مشروعات لا تفيد. واشار الى مجهودات من بنك السودان تتمثل في تعيين 500 خريج كضباط للتمويل الاصغر وتوزيعهم على المصارف بكل فروعها وتحمل بنك السودان دفع رواتبهم لفترة محددة واعتبرها خطوات طيبة في اتجاه التخصصية. الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام بوب قال ان تجربة التمويل الأصغر لاحياء وتنشيط الاقتصاد السوداني كانت فكرة جيدة الا ان زيادة معدلات التضخم منذ العام 2011 جعل المبالغ المدفوعة للتمويل الاصغر غير كافية لاقامة أي مشروع رأس مالي له القدرة على الحياة وبذلك تحولت المبالغ المدفوعة لاحياء الاقتصاد الوطني الي اموال لتسديد ديون الاشخاص بما يشبه عملية الكسر أي الاستدانة لحين ميسرة ة مما حول التمويل الأصغر لغرض غير المتفق عليه. ورأى ان الصحيح ايقاف التمويل الأصغر لحين ثبات متغيرات الاقتصاد الكلي السوداني خاصة ثبات معدلات التضخم، داعيا لاعادة النظر في كل السياسات الاقتصادية الكلية الحالية، واضاف انه دون ذلك ستكون مجرد اوهام اقتصادية بان هناك تحسنا في الاقتصاد السوداني.