المريخ يتعاقد مع السنغالي مباي وبعثته تصل تنزانيا    هذه الحرب يجب أن تنتهي لمصلحة الشعب السوداني ولصالح مؤسساته وبناء دولته    مليشيا الدعم السريع تستدعي جنودها المشاركين ضمن قوات عاصفة الحزم لفك الحصار عن منطقة الزرق    البرهان يهنئ الشعب السوداني والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    إيطالية محتجزة في المجر تعود إلى بلادها بعد فوزها بمقعد في البرلمان الأوروبي – صورة    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كان في وداعها نائب الرئيس للشؤون الرياضية..البعثة الحمراء تغادر الي دار السلام برئاسة كابو    شاهد بالفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع عمر جبريل ينعي القائد علي يعقوب ويؤكد: (لم يتزوج وعندما نصحناه بالزواج قال لنا أريد أن أتزوج من الحور العين فقط وهو ما تحقق له)    شاهد بالفيديو.. الفنان عمر إحساس يغني للممرضات وهو طريح الفراش بإحدى المستشفيات بالولايات المتحدة    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابط القوات المشتركة الذي قام بقتل قائد الدعم السريع بدارفور يروي التفاصيل كاملة: (لا أملك عربية ولا كارو وهو راكب سيارة مصفحة ورغم ذلك تمكنت من قتله بهذه الطريقة)    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    «السوشيودراما» و«رفَعت عيني للسَّمَا»    مواصلة لبرامجها للإهتمام بالصغار والإكاديميات..بحضور وزير الشباب والرياضة سنار افتتاح اكاديميتي ود هاشم سنار والزهرة مايرنو    حلمًا يدفع منة شلبي للتصدق على روح نور الشريف.. ما القصة؟    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    بعرض خيالي .. الاتحاد يسعى للظفر بخدمات " محمد صلاح "    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجرة العائلة
نشر في الصحافة يوم 21 - 07 - 2013

: كلتوم أخت الحربي والحربي أخ الزين والزين زوج كلتوم، كيف يكون ذلك الأمر ممكناً؟ اختلط الحاضر بأزمنته الراهنة بالماضي بذكرياته ومتفرقات النسيان التي تحشد ثناياه، ذكريات جميلة في الغيط القديم واولى سنوات التخضيرة.. السفر غرباً باللواري اوائل الستينيات وتخب تعلو وتهبط الكثبان الرملية وقد وصلت وتجاوزت الابيض.. كسلا وارض القاش.. الزمن الجميل يلجأ اليها هرباً أحواله الماثلة حيث تنتظره، ويجد في الاتجاهات تحديات تلازمها مصاعب، في كل فينة صنوف معاناة تلازمها علل مرض مزمن.. تتقد الأفكار.. تلتقي الخيالات في ذهن يوسف المتحكم، يحاول لملمة ما يتفرق منها وطرد ما يزحم تلك الأفكار.. ينغمس في النسيان حتى ينسى أنه يوسف محمود، وأن أمه رقية بت سليمان، وأن خاله يوسف الذي ذهب إلى الصعيد أو ربما ذهب الى جبال تقلي.. لم يعد الامر في جليته ولا يعدو في كل أحواله أن يكون حالة صفاء ذهني تخص يوسف المتحكم وحده ولا غير، الأمر ببساطة ان أحمد الحربي قد زوّج أخته لأمه لأخيه من أبيه.
يوسف المتحكم أمه بنت عم أبيه، دفع أبوه مهراً لبنت عمه خمسين ريالاً جيداً، كان وقتها مهراً يكفي لتزويج خمس نساء جملة واحدة.
كان شديد الفخر بجده السابع، ويقال زيادة في الكلام الحادي عشر سعد المتحكم، حتى سمي به، كانت الحكايات لا تضاهيها بطولة اجداده الذين قضوا في مقتلة القوز، حينما باغتتهم جردة من الجهادية أمام القرية في صيف قائظ عند حفير كنينة بعد قائلة النهار بقليل. وتصدى لها من كان بالفريق حين حاولت الجردة غنم الأنعام التي وردت الحفير.. ساد هرج ومرج عظيم.. مات حمد الجبوري الذي كان شاباً يافعاً ثابت القلب شجاع بقرت المجموعة الغازية بطنه، ربطها بعمامة كان يلفها حول رأسه، قتل الكثير منهم ثم قضى، مات في تلك الغزية، رجال صناديد وكهول مص الدهر مخ عظامهم ذوداً عن الحمى.
عادت المجموعة الغازية أدراجها دون أن تغنم شيئاً مما ورد على الحفير.
يوسف المتحكم هو ابن محمود بن إبراهيم بن حمد بن محمود بن علي بن شلهمة بن كنينة بن سعد المتحكم. وفي رواية أخرى للنسابة موسى أب جكة هو يوسف بن محمود بن إبراهيم بن حمد بن أحمد بن شهلمة بن كنينة بن نايل بن عبود بن موسى بن سالم بن منصور بن سعد المتحكم. ولسعد المتحكم قصص وحكايات يرويها إبراهيم ود حمد جد يوسف، وللرجل تاريخ ناصع، وهو بحر زاخر من الحكمة، وله مواقف مشهودة كان يتخذ من جزيرة كيكي مقراً له في أول عهده، ويقال عنه إنه حارب مع عجيب المانجيل في آربجي ثم زحفا بجيوشهما نحو سوبا، ثم استقر الأمر لعجيب المانجيل في قري، وبعدها صار سعد المتحكم أمير ديار تمتد من شجرات الأراك إلى الشمال من أم سدر وحتى مشارف الصعيد كانت داره منزلة إضياف، حيث كان مشهوراً بالكرم، ومن عاداته أنه كان يحلب لبن بقرته في اناء من القرع ويغطيه بطرف ثوبه ويحمله الى كل امرأة تكون في النفاس دون أن يكل أو يمل، ويهدي ثوبه من القنجا الذي يتلفح به الى كل مسكين تعوزه الثياب يصادفه في الطريق، وحين يسأل عن اين وضعه يجيب ربما اكلته احدى بقراته، وما رد صاحب حاجة قط، ومطمورته يكيل منها للخالات والعمات، ولسعد المتحكم احد عشر ولداً، أمحمد وهو أكبرهم سار بأهله وسكن البحر ناحية ام شرفة، وهو جد البواليد حيث اشتغل احفاده بالزراعة وعمروا تلك الديار وبنوها بالطوب الدانقيل، وكان اساطين هذه الصنعة ابناء من السافل وابناء ريف من أسوان، وكان تأثير الزراعة والسكن جوار النهر، وكانت طباعهم تخلو من الخشونة وفيها لين، وحسن تدبير شؤون الحياة كان بائناً في حماسهم ونشاطهم.
منصور التالي لأحمد، حيث استقر بديار أبيه أم سدر، وتولى ابناؤه واحفاده الحكم والامارة والنظارة، وساروا على نهج آبائهم الاوائل، وتسود طباعهم الحكمة والرزانة والاناءة، واشتهروا بالجود وكانوا كرماء كاسلافهم، الا انهم قلة ولم يكونوا بالكثرة كابناء عمومتهم الآخرين، ولمناصرة ابناء عمومتهم من احفاد سعد المتحكم الآخرين الفضل في ابقاء حكمهم، وعلى الرغم من قلتهم كانوا فرساناً لا يشق لهم غبار وقويي الشكيمة والبأس، مرهوبي الجانب ولهم هيبة عظيمة. والثراء يجري بين أيديهم.
محمود وناصر ونايل وحسان استقر حالهم بأم سدر واشتغلوا بالزراعة والرعي والتجارة، وكانت كثرتهم ظاهرة للعيان، وامتدت فروعهم وبعد فترة من الزمان ضاقت الفلوات حول ام سدر بقطعانهم واحفادهم، وسار الرعاة منهم نحو البلاد الواسعة حيث الكلأ والماء لقطعان المواشي والانعام الصغيرة، وذهبت بهم المذاهب نحو الصعيد الجواني وما بعده، حيث استوعب الخلاء الممتد هناك هذه الأعداد من الناس والبهائم.
علي وحمد ومعالي استقر بهم المقام على الضفة الاخرى للنهر ناحية الشلال، وامتدت فروعهم ولم تنقطع صلات فروعهم عن أم سدر، وتحفظ غالبيتهم شجرة نسبهم الواصلة الى سعد المتحكم، واشتهروا بالنباهة والحذق، وفشى فيهم التعلم واختلطوا بساكني تلك النواحي من ناحية آبائهم وأمهاتهم، ولم يتبق الا خيط رفيع يفصل هذه الانساب عن تلك الأصول حتى تجد الحمدي اصل امه من تلك الديار وأحد الشلاليين أصل أمه معالي.
خالد وبدر هما اصغر أبناء سعد المتحكم، وقطن بنوهم الى الشرق من ام سدر الى الجنوب قليلاً، وعمروا تلك البقعة، وكانت لذراريهم قرى ظاهرة كبيرة، ويقال أن خالداً اشتغل في صباه ويفاعة شبابه بصيد الافيال مع قبائل الحمرات، ولم يعد الى الديار الا وهو كهل، ابيض حاجباه، وترهل لحم جسمه وتساقط شعر اهدابه حتى سمى خالد الأهدب، وكان في شبابه فارع الطول نحيلاً خفيف الجسم، وحتى في كهولته لم ينحن ظهره ويتقوس، وكان حاد البصر، نافذ العزم، ذا رأي وفطنة.
تزوج الكثيرات من قبائل الحمران، وفولانية التقى ابيها في طريق عودته من الحج قبالة بربر، وواحدة من الفوزي ووزى، وجبرتية، ولم تصحبه في عودته إلا اصغر نسائه اللاتي بلغن العشرين، وكان مزواجاً ولم يتعد في كل تلك الزيجات حد الشرع، ولسعد المتحكم تسع بنات، وكان يزوجهن باقل المهور، حتى انه زوج احداهن بنصف ريال فضة، كانت تلك سريتي، كانت الصغرى فيهم لابن عمها الذي كان لا حدود لعطائه رغم قلة ما يملك. واكبرهن أمامة ذات قدر كبير من الجمال ورجاحة العقل، بنت ابيها ولا فخر، امرأة بهكنة، تملك الذهب والمال، وكانت صنو بعلها.
ثم صُلحة ومهلة وام فرسات ونايلة وبتول وصفية وعائشة.
يوسف محمود الابن الأكبر لناظر الخط الذي امتدت نظارته من الاراكسات وام شرفة حتى حدود الصعيد، الا ان قانوناً اصدره وزير الحكم المحلي الغى بموجبه كل مظاهر الادارة التي تنظم شؤون الناس في الريف البعيد، إرث عتيق عمره مئات السنين، ذلك بايعاز من الرئيس الغاضب الذي يرأها متدثرة بثياب الطوائف وعقائدها.
حرم القرار الناس في أم سدر وحواليها من سيد ديرة والقربين، سيد القدح أب خرس، لازم الحدود، لذلك يوسف المتحكم حُرم من تقليد متوارث منذ مملكة الفونج، ألا وهو الجلوس على الككر ولبس الطاقية ام قرنين عند تقلد النظارة وتولى واجبهاتها، بعد تقلد منصب عمدة لأم سدرة، ثم اقيل العمدة يوسف من منصبه لتضامنه مع المجموعات التي قامت باضراب شهير حرضت بموجبه مجموعة من المزارعين على عدم القيام بأية من الاعمال الفلاحية، واعلان العصيان، وان موقفه غير واضح، هكذا بررت السلطات امر إقالته ونقلت العمودية لعمه زايد.
يوسف محمود قبل أربعة عقود أو يزيد رجل تملؤه الحماسة، يحب الحياة، يحب الخير وفعله، كان يترسم خطى الاقدمين، لكن لا الناس ولا احداث الزمن متقاربة، لأن الناس اشبه بزمانهم من آبائهم. وكان يحدّث عن التاريخ القريب والتاريخ البعيد، عن الناس وعن حادثات الزمن.
كان جدي حاج ابراهيم يقول عن ابيه حمد انه كان وحيداً لا أخ له إلا اربع اخوات هن نايلة، امامة، سريتي ومهلة، كان لأبناء عمومته منافسة أقرب إلى الخصومة، لأنه نشأ وتربى في كنف عمته ست البنات، لأنها وهبت له كل ما تملك إذ أنها عقيم، ويقال انها اهدته جرة مملوءة بالذهب وحُق من خشب الابنوس تحفظ فيه وثائق ما تملك، اذ لها مائة وعشرون جدعة، ثلاثون حبل بحري، ولها شهادة بحث لمائة فدان في تسجيلات الاراضي في عام 6291م مهر توقيعها بالحبر السائل حنفي ناصف رئيس تسجيلات الاراضي، كما اشترت سبعة حبال بحرية من حميدان الاشقر بخمسة جنيهات مصرية، وكاتب الوثيقة البدري أُمحمد الأمين وشهد عليها خوجلي ود الزين ومعروف السنجك، وذلك في 51 رجب 0131 هجرية.
كان حمد وحيداً لو هلك لما أنبت بعده أثر ذرية، ولما قامت له قائمة تذكر بالخير، ولم ينجب الا ثلاثة بنين هم جدي حاج ابراهيم واخويه نايل ومحمود وبنتين هما امامة وخلود، وجدي حاج ابراهيم حمد انجب ابي محمود الذي تزوج من ابنة عمه نايل نعمة، وانجبني انا يوسف واخوتي الجاك، علي، الشامي، آمنة، حليمة، عرفة، السعدية وأم جلال.
وانجب زايد وكان شديد السمرة، وكل من رآه قال لا صلة له بابناء ابراهيم، وكان ابهر العينين، تزوج من ابنة عمته مهلة، كان اباها من جزيرة صاى، وكان ابوها صديقاً لجدي، لهم مركب كبير يجوب النيل، ينقل الغلال ويحمل في جوفه خمسين اردباً وله شراع ضخم.
سالم كان درويشا له احوال، تخافه النساء على وجه الخصوص، ويبذلن له كل ما يطلبه، لأنه كان يقلب الكلام، تارة يحادث عالم غير موجود باصوات مسموعة، يأتي باخبار الغائبين والمسافرين واحوالهم، كان الاعتقاد السائد ان سالماً ذو ولاية خفية، لدروشته اجوال، مرة تراه في ملابس رثة، مرة تراه في ملابس نظيفة شديدة البياض، وتحت الرث والنظيف من الثياب جسد نظيف ولا أثر على أقدامه من غبار السير والمشي، وإن امضى النهار بطوله في التجوال، زوّجه أحد الشيوخ ناحية ام شرفة احدى بناته وانجب منها ابنين وسيمين كانا من الحفظة.
وأنجب بابكر الذي سافر الى مصر ودرس بالازهر واستقر به المقام في السيدة زينب، وصار بيته قبلة لكل معارفه الذين قصدوا الديار المصرية، وتزوج من طنطا، وجاء بعد حين احد ابنائه يتعرف على جذور ابيه ويصلهم، وأدرك ابراهيم ود حمد في اواخر ايامه ونال العفو من رجل سمته الرضاء.
وأنجب المبارك الذي عاش في ام شرفة واشتغل بالتجارة، ودرس في كتابها واكمل المدرسة الاولية، ثم ذهب ليلتحق بمدرسة بيت الامانة الوسطى، وسكن في العباسية جوار محطة عابدين، ومدير بيت الامانة الشيخ عبيد عبد النور، بجانب ضابط المدرسة فؤاد التوم الذي كان ذا شخصية قوية يرهب كل الطلاب، ولمعلميها القدح المعلى في جعل فصولها قاعات للعلم والمعرفة، أبو بكر سرور، محمد كردمان، هاشم عثمان حارس مرمى المريخ وزاكي الدين بلال.
كانت تصنع لهم الطعام بت فرحين ربة الدار، ويبدأ عملها بعد الفجر بقليل. ويشربون الشاي في أكواب الشوب الكبيرة مع الرغيف الشمسي ذي الرائحة اللطيفة، يحضره العم حمد. وقد استدار الزمان قليلاً، ومضى على الاستقلال عام ونصف، والندبة التي على جبهته هي بفعل ضربة ضربها اياه كمساري الترماى حيث دفع له قرشاً ثمن التذكرة بين الخرطوم وام درمان، وصاح في وجهه يا اولاد يا عفاريت الشيطنة تقفز من عيونكم، ضربه بمؤخرة قلم الكوبيا، ثمن التذكرة قرشان ونصف وليس قرشاً.
وتم قبول المبارك بالمدارس الثانوية، وتم توزيعه على مدرسة جوبا الثانوية، وهنا رفضت أمي الحاجة سفره الى هناك واحداث الاضطرابات الاولى لم ينجل غبارها، كما ان البلد بعيدة والسفر اليها ببابور الماء يستغرق اياما طوالاً.
نفيسة تزوجها العمدة صالح ابو جديري ورحل بها الى بادية بالقرب من قيلي، وكانت تعود الى أم سدر في أوقات متباعدة، وكانت ذات بنين وبنات كثر.
ونعمة عاشت شيئاص من طفولتها في ام شرفة، وقبل ان تصير يافعة بقليل تزوجها محمود نايل واستقر في الشلال وانجبت الخضر، صديق، الصادق ونصف دستة من البنات المليحات، أمامة، مهلة، نايلة، نفيسة حليمة وخلود.
وأنجبت حليمة التي كانت تدرس في خلوة الفكي، ولذكائها المفرط تعلمت القراءة والكتابة، وذاكرتها تختزن الكثير من القصص والحكايات، الغابة المسحورة قصص ابو زيد الهلالي، وأحاجي جدتها بت المك، وشعر الحماسة ولها شعر واراجيز غير كثيرة عن جدها حمد المك، وتزوجها الباقر وهو ازهري تزامل مع اخيها بابكر، وكان يأتيهم بأخباره قبل ان يقطع الاخير صلته وتطويه الغربة تحت جناحها، ولها منه فاروق، جعفر، مالك ونفيسة.
خلود ابراهيم لزمت ام سدر في طفولتها وشبابها وكهولتها، وعمرت حتى أخرجت اسنان اللبن بعد المائة ونيف. وتزوجت بابن عمتها امامة علي افندي، تاجر مُجد وله أسفار متعددة الى الحجاز ومصر وكرن، اكتسب من اسفاره الكثير من التجارب، عرف الكثير من تقاليد الشعوب، له بر خاص بخاله ابراهيم، وله ظرف لا يجاريه فيه أحد، الهندمة عنده لها أصول، ذات يوم والناس صيام غم على الناس غطى السحاب صفحة السماء، أكل الانتظار بقية صبر الصائمين، قام النصيح يؤذن أمام البروش، كان علي أفندي قد اشار على خاله ابراهيم ألا يفطر لان الوقت لم يحن، نظر الى ساعة جيبه تبقى زمن يسير ودون اليسير بقليل، ما هي إلا هنيهة والشمس انكشفت وبين مغيبها دقائق، صاح الناس يا علي افندي غلبتنا بساعة جيبك. وتململ بعد الافطار الخليفة، اذ كل حديث له فيه رأي، لأن رأيه صواب ورأي غيره يحتمل الخطأ، لأن ما تسيره العربة التيمس في ساعة قد يقطعه الرجل بحماره في يوم كامل، وان دواء الحكماء انجع من الوصفات التي تصفها الجدات، المغالطة، ان علي افندي قال ان بندق نايل تضرب سبعة وعشرين ياردة، ورد عليه الخليفة ان بندق اب دهلة تضرب من ام سدر الى الخرطوم، ولأجل ذلك ارسل له اب دهلة كسوة بلدية وعليها ثوب من الساكوبيس.
سريتي ابراهيم كانت ككل النساء في ام سدر لا تخرج عن دثار الريث والرتابة، حيث ثوب الزراق وعطر بنت السودان وحجول العاج تزين ارجل البدينات وينتعلن الزوزو، والحياء يلف الحياة، الحياة وقتها تنعنق من ربقة الوافد البغيض والحناجر الغضة تنادي بالرحيل، الهتاف المدوي يهز اركان الزمان، الجلاليب البيض طلائع الشباب تهتف بحياة الوطن، كانت سريتي ترقد بجانب ابنها حسن، بعد ان قرر الحكيم جوزيف البينو ان يذهبوا به الى الاستبالية في خرطوم الدُرُمّبال، حيث لم يجد القرظ نفعاً، وشراب الاعشاب، خليط التربة. وكانت الحالة الأولى التي تعالج في البندر، لان ام سدر تعالج مرضاها بطرق العلاج المتوارثة وخبرة الكبار والمعمرين والرقية والبخور والاحجبة. وكانت تلك اولى تجارب سريتي في الذهاب الى المدينة. وصار حسن بن سريتي فيما بعد طبيبا يعالج مرضاه في ام سدر، يعلم شكواهم، تدور شكواهم ان المرض آخذ بتلابيب النفس، ويوردها ضيق الخلق، وحشرجات دون حشرجات الروح، خميم انفاس، تنمل الاطراف ارتخاء في العصب، سيولة اللعاب، زغللة العيون فوران الدم تيبس الريق وجفافه، ثقل في الاذان فلتان في الذاكرة، الاقدام لا تقو على السير كما كان الامر قبل عشرين عاماً، ثم تصل أخيراً الى ما يعينه في تشخيص المرض ووصف الدواء.
جلس يوسف محمود يشكو من مرضه المزمن، الضغط والنقرس، لانه يرى أن لا بديل للحوم والالبان وروائبها، كال له من المحاذير ما يكفي ساكني حي راق من البندر تصنيف درجته الأولى، وقت انطلق حول العالم سحر ونجاعة الاسبرين والمسكنات والمطيبات الاخرى وأنها الحل، وولع المتعالجون بها ويتخطفون ارشادات الاطباء بشغف ونهم من حيث التوقيت والجرعة، انصياعهم للمنع بعد دخل عدد من مباحات الغذاء في قائمة المحرمات.
وصف له صفاً من الادوية تحتاج الى ممارض خاص ملتزم ودقيق يعين ابن خاله عليها. لم يجد يوسف المتحكم في كلام ابن عمته في وصفته نهاية لمعاناة ما يشكو منه، بل الحرمان والدواء المر.
وراح حسن يسأل ابن خاله عن اخوته، كيف حال الجاك، ماذا صنع ابن علي مع الدراسة، ولماذا يترك الشامي حتى الآن دون زواج، كيف آمنة وصحتها وهل تصر على شرب القهوة، عرفة، سعدية، ونعمة فرداً فرداً وأبناء أميرة بنت آمنة وأبناء بنته سعاد وزوجها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.