الخرطوم: هويدا المكي : لم يكن عليهم سهلا ما جرى من اضرار فكانت حالتهم النفسية لم تسعفهم للحديث معنا الكل في حالة توهان وسرحان وحزن عميق تجسده ملامحه التي انهكها الارهاق والتعب خاصة ان الدمار الذي لحق بهم لا يتوقف على المنازل وفقدان الممتلكات بل فقدوا اعزاء لهم وهذا شكل ألما مضاعفا بصورة تجعلهم يعيشون لحظات عصيبة ومؤثرة وحالتهم النفسية تسوء يوميا بصورة مخيفة وهذا ما لمسناه اثناء تحدثنا مع مجموعة من المتضررين، الكل رفض الحديث الا القليل بحجة ان ليس لديهم رغبة في الحديث وان نفسياتهم «تعبانة» لما جرى لهم وما سيجري في المستقبل. ومن ضاحية الحاج يوسف منطقة الكرياب وهي من اكثر المناطق تضررا بالسيول التقينا بالمواطن عثمان الطيب وهو احد الذين فقدوا منازلهم بالكامل ولم يستطع ان يخرج منه شيئا غير ابنائه الصغار وجدناه يجلس على بقايا المنزل التى باتت جدرانه تظهر هنا وهناك وتبدو على ملامحه التعب والارهاق ومعه اثنان من ابنائه الذين لم تتجاوز اعمارهم الخمسة عشر عاما وهم يستعدون لتشييد «راكوبة» ليسكنوا فيها حتى لا يكونوا عالة على شخص وقال ان حالته النفسية سيئة للغاية خاصة عندما ينظر الى ابنائه الصغار ولم يستطع ان يدعمهم بشيء وهم في امس الحاجة للمساعدة، ويضيف ان زوجته مصابة بمرض السكري وعندما فقدت منزلها اصيبت بكومة سكري لم تفق منها الا بعد يوم كامل ثم نقلت الى منزل شقيقتها بالدروشاب مع اثنين من الابناء الصغار الذين لم يستطيعوا مفارقتها مبينا ان حالتها النفسية سيئة للغاية وتزداد سوءا يوميا، اما ابناؤه فمذهولون لما حدث لهم من ضرر لم يكن في الحسبان، وليس بعيدا عن عثمان وجدنا جاره محجوب وهو يديم النظر في بقايا منزله الذي تكسر تماما ولم يبق له اثر وقال انه «تعبان» ولا يستطيع ان يتحدث فالمشاهدة تكفي عن الحديث خاصة ان نفسياته سيئة موضحا ان كثيرا منهم فقدوا وعيهم لما اصابهم خاصة انهم على قدر حالهم، والجميع يعاني نفسيات صعبة وبعد الحديث مع بعض المواطنين الذين بدا على ملامحهم البؤس والارهاق النفسي والجسدي كان لابد ان نتحدث مع علماء النفس عن الآثار النفسيه المترتبة على المتضررين جراء السيول والفيضانات، وبحسب استشاري الطب النفسي علي بلدو قال ان الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وفي السودان السيول والفيضانات تعتبر من انواع الضغوط النفسية وتؤدي الى صعوبات جمة في التعايش والتأقلم ويضيف بلدو ان اولى الآثار هي الشعور بالصدمة من وقع المفاجأة ورؤية الشخص لجرف منزله في لحظة وجيزة تؤدي الى صدمة عنيفة قد تكون صورها الخوف والقلق والتوتر وروح التوجس والارق الليلي وكذلك الشعور الدائم بحالة من عدم الاستقرار والمشغولية الذهنية الكثيفة وقد يحدث لدى صغارالسن احلام مزعجة والتبول اللاارادي والشعور بالانقباض والانزواء وفقدان الثقة، وفي منحى آخر يقول ان هذه الآثار تؤدي الى الشعوربالاكتئاب النفسي بعد فقدان الممتلكات والاشخاص الاعزاء وتتمظهر هذه المعضلة في قلة الاكل والشرب وعدم الاستمتاع بالحياة وقلة الكلام وفقدان الرغبة الجنسية والالام الجسدية المتعددة التي لا يوجد لها اساس عضوي اضافة الى السرحان وقلة الانتباه وعدم التركيز وايضا التفكير في الموت والانتحار الذي من المتوقع ان يكثر بعد هذه الحالات، وفي اضاءة اخرى والحديث لبلدو ان هذه الآثار تمتد لتشمل العلاقات بين الاشخاص والشعور بلوم الذات وروح التقصير الذي يؤدي الى تقريع الذات والشعور بالدونية وايضا محاولة القاء اللوم على الآخرين، مبينا ان الامطار والسيول تؤدي الى زيادة في معدل الغضب والنرفزة والشعور بروح التشفي وتفريغ تلك الشحنات في شكل الفاظ او عنف بدني او ارهاب معنوي وقد يمتد ليشمل المسؤولين وحتى المتطوعين الذين لم يسلموا من هذه النوعية من الاذى، واشار بلدو الى الاثر الاجتماعي الذي يكون في التغيير الديموغرافي وتحريك البيئة السكانية وايضا وجود دخلاء على المناطق المتأثرة وكثافة في الحراك السكاني كله يؤدي الى تشابكات تؤثر على النسيج الاجتماعي ما يساهم في ابراز ظواهر سالبة كالجريمة والاحتيال ومحاولة استغلال هذه المصيبة لتحقيق اهداف ومكاسب سياسية واعلامية او مالية وهذا النوع يكثر لدى المضطربين واصحاب الشخصيات الاجرامية والمحتالين واصحاب المصالح الحزبية الضيقة، واوضح ان طرق المعالجة بالانتباه والاسراع في تقديم ما يلزم وسرعة اعادة بناء وتخطيط المناطق المتأثرة اضافة الى درء الآثار المتبقية من الكارثة بسرعة كما يجب انشاء مدارس مؤقتة ليواصل الطلاب الدراسة لكي لا يشعروا بالفرق بين اقرانهم كما يجب عدم التهويل في الهالة الاعلامية والاكثار من تصوير الضحايا واللقاءات معهم لما بها من اذى وألم نفسي وايضا ارسال فرق من الباحثين النفسيين والاجتماعيين والاطباء المختصين لتلك المناطق للتخفيف من وقع الازمة وعلاج الحالات وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والعمل على اعادة التأهيل واشفاء النفوس ولابد من الانتباه لما حدث وعدم التعامل مع الكارثة باعتبارها ذات شق مادي فقط.