الخرطوم: محمد صديق أحمد : أكثر من نصف عقد من عمر الزمان انسرب بين أيدي العاملين منذ أن ابتدع بنك السودان المركزي فكرة التمويل الأصغر وأفرد لها وحدة مختصة بغية الوصول بها إلى مرامي تأسيس الفكرة المتمثلة في انتشال عدد مقدر من الناشطين اقتصاديا من المواطنين والانتقال بهم من مربع الحاجة والفاقة إلى باحة الإنتاج والمساهمة الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي بعد مبارحة دائرة الفقر بيد أنه بالرغم من سمو مقصد فكرة التمويل الأصغر إلا أن ثمة عوامل حالت دون بلوغ التجربة مراميها وأهدافها بالدرجة المطلوبة والصورة المرسومة على رأسها بحسب مختصين ارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر الصرف وصعوبة إجراءات الحصول على التمويل التي أكبرها المطالبة بضامن «طرف ثالث» علاوة على ضعف دراسات الجدوى وضعف متابعة المشاريع والوقوف على تنفيذها. وأكد عدد من المستهدفين بالتمويل الأصغر «للصحافة» أن تجربته بوضعها الحالي لن تعمل على حل معضلة الفقر لجهة كبر هامش الربح الذي تطلبه المصارف علاوة على التعسف في طلب الضمانات وصعوبة الإجراءات بجانب عدم انتشار الوعي الثقافي بفكرة التمويل الأصغر وشددوا على تقليل هامش الأرباح بجانب العمل على جعل إجراءات الحصول على التمويل مع ابتداع ضمانات تتماشى وأوضاع طالبي التمويل علاوة على أهمية الانفتاح على الريف. يقول الخريج حسن أحمد عبد الرحمن إنه رغم اقتناعه بسمو مقصد فكرة التمويل الأصغر إلا أنه متردد في الإقدام على طلب تمويل من خلال واقع ما يراه من ممارسات طابعها الملاحقة من قبل مانحي التمويل لأصحاب المشاريع الممولة عند السداد بجانب ارتفاع حجم هامش الأرباح التي تطلبها المصارف التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30% بجانب ضعف المتابعة وجرعات الإرشاد من الجهات المانحة التي تنتهي علاقتها بالحاصل على التمويل بمجرد منحه إياه وزاد حسن أن التعسف في مطلوبات منح التمويل والضمانات عليه حدت بفقراء كثر لا يجدون ما يعينهم على حياتهم بالنأي عن طلبه ودعا الحكومة للالتفات إلى خصوصية الفئات المستهدفة بأن تعمل على استحداث وابتداع سبل تحصيل ميسرة بعيدا عن الطرق التي تشابه تماما التي يعامل بها طالبي التمويل بالصيغ الأخرى مثل المرابحة وخلافها وأضاف على الدولة عدم البحث عن تحقيق الأرباح عبر التمويل الأصغر وأن تعتبره من أحد مسؤولياتها الاجتماعية التي يتوجب عليها القيام بها هذا بجانب تبسيط الإجراءات وزيادة جرعات التعريف بالتمويل الأصغر. فيما تقول الخريجة سناء محمد الطيب إن صعوبة إجراءات ومتطلبات الحصول على تمويل أصغر بغض النظر عن مسمى النافذة التي تمنحه التمويل «تشغيل خريجين أو مصرف أو مؤسسة» كفيلة بصد أي طالب للتمويل والعدول عنه خاصة فيما يخص توفير شيك ضمان من شخص آخر وطالبت السلطات المصرفية بقبول شيك ضمان من طالب التمويل نفسه لا إلزامه بإدخال طرف ثالث يصعب الحصول عليه وإقناعه في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها المواطنون واقتصاد البلاد وزادت بأن الظرف الراهن يزيد من الحاجة إلى تفعيل مشاريع التمويل الأصغر التي نهضت على إثرها كثير من الدول ودعت سناء لأن تبحث مؤسسات التنمية الاجتماعية التي من بين مسؤولياتها تخفيف حدة الفقر عن توفير الضمانات الكافية لطالبي التمويل وان تتوقف الجهات المانحة للتمويل عن ملاحقة المتعثرين في سداد الأقساط بالصورة الحالية وأن تعمل فكرها في ابتداع وسائل مطالبة تضمن لها الحصول على حقوقها دون المساس بمكانة الحاصلين على التمويل خاصة أنهم ينحدرون من شرائح أغلى ما تملكه سمعتها ويرون أن المحافظة عليها أكبر من التطلع لتحسين الوضع المالي وزادت سناء إذا لم تتمكن إدارة وحدة التمويل الأصغر من إزالة العقبات التي تعترضه سيظل التمويل الأصغر مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني من فقر وختمت بأنها الآن مترددة ألف مرة قبل الإقدام على الحصول على تمويل من واقع تجارب الآخرين الذين سبقوها في الحصول على تمويل. وعلى صعيد المختصين يقول البروفيسور عصام بوب إن الحاجة إلى تفعيل تجربة التمويل الأصغر الآن غدت أكثر إلحاحا من ذي قبل من واقع الظرف الاقتصادي الحرج الراهن الذي تمر به البلاد سياسيا واقتصاديا عقب انفصال الجنوب وتراجع عجلة الإنتاج بالمشاريع الحقيقية وارتفاع نسبة البطالة وسط الشباب وارتفاع معدل التضخم وانخفاض سعر الصرف الأمر الذي قاد إلى إدخال أرتال كبيرة من المواطنين في زمرة الفقراء والمساكين بالرغم من إمكانية نشاطهم الاقتصادي الذي يعتبر المسوغ الأول لإقبالهم على طلب التمويل الأصغر بيد أنهم مع ذلك يجد المتابع أن سمتهم الإحجام وقلة الإقبال على طلب التمويل الأصغر التي لم يتوان بوب في إرجاعها إلى الافتقار إلى آلية تسهيل إجراءات الحصول عليه تتسم بالمرونة المصحوبة بتيسير الضمانات المطلوبة وتقليل نسبة الأرباح المطلوبة بحيث تكون في تناسب مع نسبة التضخم السائدة ضمانا لعدم تضرر أي من طرفي التمويل حتى لا يخرج التمويل الأصغر من مقصده الأساسي فيكون مصدرا لدر الأرباح للمؤسسات التمويلية، ونادى بوب بزيادة جرعات الإرشاد والتثقيف والتعريف بهوية التمويل الأصغر مع إنشاء مشاريع نموذجية يمكن تطبيقها في المنطقة المعنية بحيث تختلف من بقعة لأخرى حيث إن كثيراً من طالبي التمويل أو المستهدفين بالفكرة لا يملكون رصيداً معرفياً عن جدوى مشاريعهم اقتصاديا لاسيما أن سقف التمويل محدود في ظل تسارع وتيرة التضخم الاقتصادي الذي قهر كل كوابح الحكومة في السيطرة عليه، واعتبر بوب التضخم من أكبر المعضلات التي تعترض مسار تجربة التمويل الأصغر، وختم إن لم يتم معالجة معضلات التمويل الأصغر فلن يكتب لتجربته النجاح وستظل تجربته تدور في فلك النظرية دون النزول إلى أرض الواقع، وشدد في ختام مداخلته على ضرورة الالتفات لمعالجة ارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر الصرف وصعوبة إجراءات الحصول على التمويل التي أكبرها المطالبة بضامن «طرف ثالث» علاوة على ضعف دراسات الجدوى وضعف متابعة المشاريع والوقوف على تنفيذها.