في العام 1983 تحرك الضابط انذاك في الجيش السوداني برتبة العقيد جون قرنق دي مابيور ليقود مايعرف بحركة الانانيا تو في اعقاب تراجع الالتزام باتفاقية اديس ابابا والتي وقعها الرئس السابق جعفر محمد نميري مع جوزيف لاقو لتضع حدا لحرب استنزفت السودان وكان خروج العقيد انذاك مدخلا لصياغة تاريخ ومستقبل جديد في مسار الدولة السودانية التي ربما تبقي وفق الرسم القديم او تزول بفعل حق تقرير المصير الذي سيتم التصويت عليه في مقبل الايام. رحلة العقيد كانت اولي الخطوات في رسم سيناريو جديد تحرك هذه المرة وفق مايعرف بالجيش الشعبي لتحرير السودان وهو الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان من خلال صياغة وانجاز مايعرف بمشروع السودان الجديد والذي قام علي اساس نضالات الجيش الشعبي والتي انتهت بالتوقيع علي اتفاقية نيفاشا وبالتالي تحول الجيش الشعبي للقوي النظامية المسيطرة بالجنوب والذي يدخل بدوره علي جملة من السيناريوهات لم تضح الروي حولها بعد. بعد سبعة وعشرين عاما من تأسيسه احتفل الجيش الشعبي بهذه المناسبة وبحضور قائده العام الفريق سلفاكير ميارديت الذي خلف القائد المؤسس جون قرنق حيث اكد وبمدينة جوبا انه لاعودة للحرب مرة اخري ودعا مواطني الجنوب للعمل معا من اجل تحقيق التنمية والاستقرار والسلام بالجنوب وفي الوقت نفسه وجه سلفا الجيش الشعبي بحماية المواطنين وحسم المليشيات في اشارة لحالة النزاع الدائر بين قوات الجيش الشعبي والقائد المنشق عنه جورج اطور وهو الامر الذي يؤكد علي ان هنالك مجموعة من المخاطر ستواجه الجيش الشعبي في مقبل الايام وفي ظل ارتفاع الاصوات القائلة بعدم تماسك الجيش الشعبي وعجزه عن حماية المدنيين والاعتداء عليهم من حين لاخر اكد رئس الاركان بالجيش الشعبي جيمس هوث ان الجيش الشعبي ثابت ومتمسك بحق الدفاع عن حق شعب الجنوب في الاستفتاء وحذر كل من يحاول الانتقاص من ذلك الحق وطالب اهل الجنوب بالتوحد وهو مايعني ان مجموعة من التحديات ستواجه الجيش الشعبي وعلي رأس هذه التحديات تحدي انجاز الاستفتاء وتنفيذ ماتبقي من استحقاقات نيفاشا وانزالها علي ارض الواقع دون ان يعني ذلك اهمال التحدي الاخر والمتمثل في ضرورة حسم المليشيات وان بقي تحدي الاستفتاء هو التحدي الاكبر الذي يواجه الجيش الشعبي في قادم الايام والمواعيد فالجيش الذي تواجهه مجموعة من الاشكاليات تتعلق حتي بمسألة سيطرته علي الاقليم وفرض هيبته علي المكونات الاخري وهو امر يتعلق اساسا بعملية تكوينه الاولي في فترة النزاع مع الخرطوم في فترات سابقة والتحول يحتاج لواقع جديد ومغاير للتعامل وبحسب مراقبين فإن التحديات التي ستواجه جيش الحركة في مقبل الايام تزيد عن تلك التي واجهها في فترة الحرب نفسها والتي تجاوزها الجيش من خلال توقيع الاتفاق مع المؤتمر الوطني كما ان الاحتفال يأتي هذه المرة في اعقاب نهاية الانتخابات والتي شهدت حالة من الشد والجذب حول النتائج التي افرزتها واتهام منسوبي الجيش الشعبي بتزويرها لصالح الحركة الشعبية مما ولد حالة من الاحتقان العام وزاد من حدة المواجهات داخل الجنوب وهو امر من شأنه ان يقلل من نسبة المكاسب المتحصلة من نيفاشا وتحديدا مكسب السلام باعتباره مدخلا للتنمية التي يحتاجها الجنوب بعد خروجه من النزاع الذي استطالت فترته بالمنطقة، وتعتبر النزاعات التي تجتاح الجنوب احد منتجات هذه المسألة وهو مايعني ان جبهات جديدة ستنفتح علي الجيش الشعبي وسيجد نفسه مجبرا على التعامل معها وحسمها كما بدا واضحا من حديث قائده سلفاكير والذي توعد بحسم من اسماهم بالمتفلتين والمهددين للاستقرار بالجنوب مما يعني ان حالة التماسك التي يتم تناولها تبدو في طبيعة الواقع غير ذلك بل يعتبر الكثيرون ان مايتم الحديث عنه باعتباره جيشا هو في الواقع غير ذلك، وهو ماتحدث عنه الدكتور اسامة زين العابدين استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين والمهتم بقضايا الوحدة حيث قال للصحافة ان التحدي الاساسي الذي يواجه الجيش الشعبي هو كيفية تحوله لجيش نظامي قومي علي مستوي الجنوب وتجاوز مسألة التكوين القبلي الذي يسيطر عليه ويحدد تعاطيه مع القضايا الداخلية ويكون قائما علي اسس احترام القوانين واللوائح ويتحول لحماية الدولة بدلا عن النظام وهو مايعتبره التحدي المحوري الذي يواجهه وعلي اساسه يمكن ان يقوم بدوره الاساسي وليس كما هو حادث الان في ظل حالة من التداخل في الادوار لهذا الجيش والذي تحول للقيام بوظائف الشرطة والقيام بأدوار سياسية وهو مايعني ان النقاش يجب ان يأخذ الابعاد المهنية والتي تحدد بناء عليها الادوار ويشير لان مسألة التحول لجيش نظامي هي الاساس بالرغم من وجود الكثير من المعوقات لانجازها علي ارض الواقع مثل الطبيعة المتعلقة بالثقافة السائدة بالاقليم وخروجه من حرب وغيرها لان هذا لايمكن اعتباره اساسا للتنصل عن الادوار والمهام والتي يصفها بالتداخل وعدم الوضوح وهو مايتطلب قيام جيش مهني ومحترف في غاياته واهدافه وليست مجموعات عرقية وقبلية ويري ان قيام الجيش بأدوار سياسية وتنفيذية هو امر يعتبر غير سليم. ويضيف زين العابدين ان الصراعات التي يشهدها الجنوب هي افراز طبيعي للتكوين الاولي ولغياب اسس الضبط والربط داخل الجيش والتي يدفع فاتورتها الجنوب ومواطنوه مع وضع اعتبار اخر للمهام السياسية التي يقوم بها الجيش الشعبي باعتباره السلطة العليا مثل ماحدث في الانتخابات والحديث الذي يدور الان حول مايتعلق بالاستفتاء والذي تم فيه تجهيز الجيش الشعبي لمواجهة وضع مابعد الانفصال والذي يبدو انه بات علي وشك التحقق من قبل الجيش الشعبي وهو الامر الذي سيقلل من حق المواطن في المشاركة ويعني بدوره تزييفا لارادة الناخبين، ويشير اسامة لنقطة اساسية تتعلق بوضع الجيش الشعبي قانونيا والذي تحكمه اتفاقية نيفاشا والتي تحدده بأنه جيش مؤقت يتحدد بقاؤه من عدمه بناءً علي نتائج الاستفتاء والتي يحدد علي اساسها اندماجه وتسريحه وفي الحالتين تظل مسألة التحول لجيش نظامي قانوني هي التحدي الاكبر الذي يتطلب من القائمين علي الامر التعامل معه وبشكل حاسم من اجل تحقيق الاستقرار المنشود بالجنوب وبالسودان. من جانب اخر تظل طبيعة العلاقة بين طرفي المعادلة السياسية -المؤتمر الوطني والحركة الشعبية- من العوامل بالغة التأثير علي الجيش الشعبي وهو مابدا واضحا من خلال خطاب الاحتفال والذي وجهه نائب الامين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان بهذه المناسبة والذي تناول فيه قضايا ذات بعد سياسي تتعلق بالاوضاع في دارفور وضرورة تنفيذ اتفاق السلام الشامل وضرورة انجاز الوحدة الطوعية من خلال تبني حزم دستورية جديدة مع الحرص التام علي حق تقرير المصير والاستفتاء بجنوب السودان، واشار الى ان التغيير في هذه المرة يأتي من الخرطوم وليس من جوبا والتي انجزت مايليها بفضل قوات الجيش الشعبي الذي جمع في داخله شتات الوطن حول مشروع السودان الجديد الذي حمل لوائه كل ابناء السودان بقيادة دكتور جون قرنق دي مابيور وصار قوة مركزية في الدولة السودانية وعلي الخرطوم الان القيام بإعادة الهيكلة الدستورية من اجل كل اقاليم السودان وفق نمموذج اتفاقية السلام الشامل من اجل العبور نحو الضفة الاخري للنهر وهو الامر الذي لم يحدث بفعل سياسات المؤتمر الوطني التي تهدف من لتثبيت اركان النظام القديم اكثر من سعيها لايجاد تغيير شامل من اجل الحفاظ علي كيان الوطن وهو مابدا واضحا من خلال نتائج الانتخابات والتي افرزت واقعا جديدا ساهم في تفاقم الامر اكثر من معالجته وهو مايعني ان المؤتمر الوطني في طريقه للانقلاب علي الحريات والدستور من خلال عودة الاعتقالات واخراس الالسن بإيقاف صحيفة رأي الشعب وهو ما اعتبره عرمان موشرات مزعجة لما هو ات، واعتبر عرمان ان الاحتفال بذكري تأسيس الجيش الشعبي تأكيد علي ان رؤية السودان الجديد ستظل حية ومتألقة وقادرة علي انجاز مشروع وطني كبير يوحد السودان علي اسس جديدة ويتجاوزه لتأسيس اتحادات جديدة علي اسس اقتصادية وسياسية ويلعب دور التواصل بين العرب والافارقة والمسلمين والمسيحين، الا ان رؤية عرمان ربما تتكسر انصالها في جنوب السودان في اعقاب حق تقرير المصير او الان تحت اصوات البنادق بين الجيش الشعبي الذي يقوده سلفاكير والجيش الاخر الذي يقودة اطور. اعوام مضت علي تأسيس الجيش الشعبي واعوام قادمة تحمل في داخلها مجموعة من التحديات للجيش الشعبي وهو يستقبل القادم، والذي يحدد وفق مؤشر حق تقرير المصير للجنوب وللجيش الشعبي معا.