تنوعت وتعددت المهن الحرة التي مارسها وامتهنها وشغلها السودانيون في المهاجر المختلفة، كسبا للعيش، وطلبا للرزق، وجنيا للمال الحلال الذي «يحوّل جله» لسد حاجة الأسرة والأقارب والأرحام في الوطن، بحكم ذلك التكافل الاجتماعي النادر الذي يميز حياة السوداني، فالمغترب السوداني «أينما كان، وعلى أي وضع أو مستوى، كسبُه وماله لأهله ولأسرته، وللمحتاجين من أقربائه، وهذا طبع وعادة وجبلة تربّى عليها هذا الشعب الأصيل، وهو شيء نتمنى أن يدوم، وألا تعصف به رياحُ الحياة العصرية التي غيَّرت كثيراً من القيم والمفاهيم. ويسرنا أن نقف عند تجربة لشريحة من الجالية السودانية في المملكة العربية السعودية ممن تخصصوا في مهنة واحدة، وتلك المجموعة هم أبناء المسعودية القرية المدينة التي تقع في ولاية الجزيرة، وتبعد عن الخرطوم جنوبا «50» كيلومترا، وهي بلدة نمت وزاد عدد سكانها على العشرين ألف نسمة، أما في الرياض فعدد أبنائها تعدى ال «1500» مغترب تنوعت مهنهم بين الطبيب والصيدلي والمهندس والمحاسب والمدرس والممرض والعامل الماهر في مجالات العمل المختلفة. إن المهنة التي حرص عليها أبناء المسعودية في الرياض هي امتلاك محلات الستائر المنزلية، وقد سيطروا في فترة من الفترات على السوق تماما، خاصة في الأسواق الشعبية مثل «سوق بن دايل» ووصل عدد المحلات التي امتلكوها إلى «150» محلا في الرياض، استثمروا فيها عشرات الآلاف من الريالات، ولا تكاد تدخل محلاً للستائر إلا وتجد صاحبه ومساعديه من أهالي المسعودية، وكان أشهر هؤلاء يدعى «الدولة»، وكان له محل كبير في أسواق بن دايل، وصلاح عبد الرحيم، وفتح الحاج وغيرهم. ولم تقف المهنة عند امتلاك المحلات، بل كانت هناك مهن مساعدة مثل الخياطة والتنجيد والتركيب، وكلها تحتاج الى عمالة ماهرة، وكانت مجالا لأبناء المسعودية الذين اكتسبوا مهارات متميزة ساعدت الكثيرين منهم على ممارسة هذه المهنة بالسودان، كما أنها فتحت مجالاً طيباً للرزق الحلال وامتهان مهنة لا تخلو من فن وإبداع، إضافة إلى الاستقلالية في العمل الحر الذي يشكل مجالاً جيداً للكسب الحلال، فتسعة أعشار الرزق في التجارة. ولم يقتصرالسوق على السودانيين، بل أن السوق مفتوح للجميع، وغالبية الزبائن من السعوديين بطبيعة الحال. والآن كما يقول عباس طه الذي يعمل مع شقيقه في سوق بن دايل «تقلصت محلات أبناء المسعودية إلى ما يقارب ال «30» محلاً، لأن الأغلبية رجعوا إلى السودان، أو وجدوا مهناً ووظائف أخرى أعلى دخلاً، كما أن السوق لم يعد بالجاذبية والإغراء القديمين، ورغم ذلك فلا يزال أبناء المسعودية هم من يسيطرون على سوق الستائر ولو إلى حين. عوض الله محمد عوض الله