كثر الحديث عن تأثيرات العمالة الأجنبية على سوق العمل الوطني، وتهديدها لأخلاق المجتمع بما تحدثه من آثار سالبة على نسيج هذا المجتمع، ولا يعترض عاقل على تشغيل العمالة الوطنية ما دامت تؤدي بكفاءة وفعالية، ولأرباب العمل وللمشرفين من المهندسين والفنيين أسبابهم التي يبدونها في وضع العنصر الوطني مما يتطلب تشريحاً دقيقاً للمسببات ومعرفة النتائج الحاصلة منها والتي أدت لأن يلجأ أصحاب العمل لتشغيل العمالة الأجنبية على الرغم من التكاليف الزائدة التي تنجم عن هذا التشغيل. لقد تغيرت مفاهيم كثيرة تختص بحساب التكاليف في الصناعة، فما عاد سعر السلعة أو الخدمة يُحسب اعتماداً على التكلفة ولكن أصبح الاعتماد في حساب التكلفة بتحديد سعر بيع السلعة أو الخدمة أولاً، وفي هذا تغيير كبير يعطي الاولوية لاعتماد العمالة التي تعطي انتاج أكبر واجود في زمن أقل، وغني عن القول ان المعيار هو مقدار انتاجية رأس المال وليس حجم رأس المال المستخدم، وما يميز المؤسسات الاقتصادية الناجحة هو قدرتها على تحقيق أعلى انتاجية من الاصول المستخدمة فيها. ويتجه العالم كله لانتاج سلع أو خدمات أقل كلفة وأعلى جودة. وبثبات ساعات العمل، تقل التكلفة كلما زادت وحدات الانتاج، ووحدات الانتاج تزيد بكفاءة وفعالية العامل المنتج. والعامل السوداني بحسب هذه الطريقة ذو تكلفة عالية تحتاج لمعالجات اساسية لتجعله منافساً في السوق، فالعلاقات الاجتماعية السودانية والتركيبة النفسية للعامل السوداني تساهم بفعالية كبيرة في تدني الانتاج، وتساهم في نقص الناتج من كل فرد عامل. أمر آخر، ضعف الحصيلة العلمية لدى عمالنا نتيجة طبيعية لتجفيف المدارس والمعاهد الصناعية، فاصبحت المهنة الفنية تنتقل بالتعلم الذي لا يعتمد على الاساليب الحديثة في التدريب والتأهيل وتنتقل فيه الاخطاء وتتطور العادات السيئة في الانتاج من فرد لآخر، فكثير من العاملين يجعل تماما خواص ومواصفات ما يعمل فيه، وكثيراً ما نضرب المثل بالعاملين في الافران ومدى ادراكهم العلمي لمادة برومات البوتاسيوم، وهل اصلاً لدينا معاهد تعليم نظامية تعلم الناس حرفاً مهمة كصناعة الخبز او الجزارة مثلاً. والعامل الاجنبي في هذا يتقدم علينا كثيراً، فعندهم مدارس ومعاهد تدريب وسوق عمل كبيرة تنمو فيها الخبرة بالتنافس حول الاجود والأقل سعراً. كما ان تطويراً كبيراً قد حدث للآليات المستخدمة في الانتاج والخدمات فاصبحت تحتاج لمستوى متقدم من التعليم الفني ومعرفة اللغات الاجنبية، ويكون الضعف فيها قيداً يضعف الانتاج، وهذا يدفع أصحاب العمل للاتجاه للعمالة الاجنبية. في زمان العولمة هذه يستطيع رأس المال ان ينتقل بسهولة من بلد الى آخر، بحثاً عن فرص اعظم، واليد العاملة اصبحت احد عناصر الاصول وليست احدى وسائل الانتاج كما راج سابقاً، وبالتالي فان رأس المال ينتقل -في كثير من الاحيان- الى حيث العمالة الارخص وتمتاز بكفاءة عالية، لانها مؤثر رئيس في التكلفة والسعر، وكلما كانت العمالة عنصر تكلفة مرتفع، ابتعد عنها المستثمر، وبحث عن الاكفأ والاجود، وعلى من يعطيه الدخل المرتفع، ونخشى ان نحن تعاملنا مع العمالة الأجنبية بالرفض دون اعتبار لمعايير الاقتصاد الحديثة، ان تفر منا رؤوس الاموال الاجنبية، وقد تتجه الوطنية منها لأعمال اخرى لا تستوعب اعداداً كبيرة من الناس وبذلك لا تساهم في تقليل نسبة العطالة. ليس الامر بالبساطة التي تجعلني اتناولها في مقال صحفي، ولكننا نحتاج لوقفة ندقق فيها البحث والنظر في علل عمالتنا لإيجاد الحلول لمشاكلها، فيقيني أن العامل السوداني لا يقل كفاءة عن أية عمالة أخرى، فقط لو استطعنا معالجة كافة أسباب التدني في الكفاءة والفعالية التي تلازم عمله منذ فترة طويلة، ولا اعتقد انه ينفعنا كثيراً التحيز والتمترس لحماية عمالة لا تستطيع ان تقنع اصحاب العمل بكفاءتها وقدرتها، في سوق يتعاظم فيه التنافس لانتاج الاجود والأقل سعراً، وتتفتح فيه الأسواق بفعل القوانين والاتفاقات الدولية، ولن يعصمنا في هذا التنافس الحاد الا جودة انتاجنا وكفاءة عمالتنا. إن الارباح تنتج من مواجهة المشاكل بسن القوانين ووضع الاجراءات التي تقيد أو تصعب اجراءات استقدام العمالة الأجنبية، قد أدت الى نتائج لم تكن في مصلحة السياسة الرامية لاستقطاب رؤوس أموال خارجية، ولم تساعد في تطوير عمل رؤوس الاموال الوطنية، علينا مواجهة الحقائق كما هي دون عواطف أو خجل، وان نعمل على تطوير وتعليم عمالتنا بدلاً من التمترس في خندق الادعاء الفارغ بكفاءتها التي لن تقنع قادة العمل. لقد تطورت مقدرات الاداريين والمهندسين، وزادت خبرات أرباب العمل في هذا العصر، مواكبة للتطور العالمي ولسهولة نقل المعرفة والتكنولوجيا، كما ارتفع إحساس المواطن العادي نتيجة لذلك، وزاد علمه بمعايير الجودة، فأصبح المطلوب من العمالة التي تقوم بعملية الانتاج ان تعي كل هذه التعقيدات التي طرأت على عملية الانتاج، وعليها ان تدرك متطلبات الزبائن الذين يطلبون خدمتها او يستعملون انتاجها، فلكي يستمر الانتاج وتجنى الارباح ويقبض العامل مخصصاته، لا بد أن يساهم هذا العامل في تطوير العملية الإنتاجية بالمعرفة والتطوير والكفاءة العالية.