السرد هو الجنس الأدبي الغالب لما ظل يرد إلينا من ذلك البلد الحميم : مالك حداد ، رشيد بو جدرة ، طاهر وطار ، واسيني الأعرج ، أحلام مستغامي ..الخ أسماء الفها القارئ السوداني واقترب بها من المجتمع الجزائري . فلا أحد ينكر ما للسرد من مقدرة على تصوير الحياة في أي مجتمع . على أنه لابد من الشعر لالتماس الوجدان الإنساني لدى أية أمة. ولقد حظيت برفقة الشاعرة رشيدة خوازم ابان حضوري المهرجان الدولي الثالث لأدب الشباب والناشئة في الفترة من 30 مايو إلى 6 يونيو بالجزائر العاصمة ، تلك الرفقة الماجدة التي أتاحت لي الإقتراب أكثر من روح الأدب الجزائري والتعرف على أحوال الكتابة في ذلك البلد الذي أحببت . تقول بطاقتها التعريفية أنها من مواليد الابيار في 20 ديسمبر عام 1968م فهي اذاً من أصول صحراوية ، وهي كثيرة التردد والحنين إلى جذورها حيث تتجمع العشيرة في فترة ما بين العصر والغروب للاستئناس وشرب الشاي . واظن أن هذا هو ما غذى عندها الوجدان الصوفي الواضح في قصيدتها ( سرب القطا ) المنشورة هنا. فهي شاعرة الرقائق واللطائف ، واستشفافها الملازم لها سمة تنبهك الحذر متخرجة بمعهد اللغة والآداب ، واسعة الإطلاع متعمقة في قراءاتها ، اشتغلت صحفية في العديد من الأسبوعيات والجرائد وتعمل حالياً محررة صحفية بالفضائية الجزائرية ومقدمة لبرنامج بعنوان ( قراءات ) بالقناة الثالثة الثقافية في التلفزيون الجزائري . عضو مؤسس لرابطة ( كتاب الإختلاف ) وهذا أمر لنا معه وقفة إن شاء الله حين الحديث عن فدرالية اللغة في الجزائر . هي أيضاً ساردة ، ويبدو أن السرد قدر كل مبدع جزائري . لها رواية بعنوان ( قدم الحكمة ) صدرت عن اتحاد الكتاب الجزائريين ترجم جزء منها إلى اللغة الفرنسية ونشر في كتاب جماعي باسم (سرديات جزائرية). القصيدة الثانية هنا بعنوان ( رأس الفتنة ) تدل على أريحيتها وكرمها وحميميتها. فكل مبدع زار الجزائر هو ضيفها ومسئوليتها . منير في هذه القصيدة هو الفنان التشكيلي المصري زوج الروائية سلوى بكر. وهو خطاط يطوع الحرف العربي ويرسم به طيوراً وأشكالاً أخرى والمخاطب هو صديق مشترك بينهما. سرب القطا يا مجيبا دعوتي كن لي سراج المشتري ميسور حال مغدقا وسبيل عمري السائر كن عابقا بالحكمة المجنونة كن برد لفح الخاطر يا عاذلا كن عاذري كن شوق هذا العمر كن كالعارف المتستر كن ضيف صيفي لونه وشروده ونسيم ليلي المقمر ، ثم انس أن لصوتنا شدو الحمام النائح وابثث حنين العنبر عطر حياتي كلها بالورد واللغو الذي يجتاح لجة أنهري فالوجد طيف الرب لولا الوجد ما كان المها والود حبر الروح حين الروح تتلو ما بها أما السكوت الموحش جرح عميق بالحشا نوح المهارى والرشا فالعشب لا يسقيه ماء ما إذا لم يرتشف ولهان من كف الندى والميت لا يحييه سحر أو بخور ما إذا لم يؤت ملكا كالكرى والجرح لا يبريه شيء غير ... رأس الفتنة تدخل مشرعة عيناك على برد الغرفة في الغرفة وكر وجدار قط ربما حي وهناك منير يغزل بالحبر عصافير تمددأعناقا من ألفة ومنير رفع الكلفة نزع الطاقية أرخى قدما وبعيدا في سر اللون الأسود يبحث عن أفق للهجره ومنير يملأ بالحبر الدنيا كم فارغة هذي الدنيا فارغة يده والقهوة فارغة وفراغ أيضا هذا المنفى . ماذا سوف يظل إذن فوق موائدنا غير جرائد وفتات الخبز ونمل يقتله السأم وبرد الشرفة لا تفتح نافذتك فمنير كسر الدفة أشرع عينيك على دفء القلب ولنترك له هذي الغرفة فمنير منع السلفة لا مال لديه لا جاه ولا حتى شقة فلماذا إذن نشقى ولنتركه يلون هذا البيت قليلا يبني من خيباته للكون مروجا خضرا بابا ولنا سقفا فلنتركه يتذكر أن له امرأة سلوى قد يتذكر أن هناك في مصر بيتا مأوى فسليمى حبق ويداها هوة وتذكر مزهوا وتذكر أبناء الجيزة والدقي وتذكر كاره فالدنيا في بلكور أصغر من حارة وتذكر بيروت لكن حمص في القلب والقهوة ما زالت تبرد من عجل الوقت والدنيا أوت نظرت فيه المرآة قليلا فرأت أحمره المفتون وقد أصبح كالتوت ورأت دمعة جارية هل يطبخ شايا أم يسرف عينا نحو الجارة. اطفئ دخانك وانزل درج المحنة فمنير رأس الفتنة اترك له هذي الغرفة وانظر كم متقنة فوضاها مائدة دون مكان وأرائكه وهناك ، فوق جدار القدرة علق مزماره وتلا لعنته المختالة علقها فوق عبارة ومنير تبكيه الغارة اترك ولاعتك الجمرة دعها تتوسد فوق الخدين العبرة وحذاءك والدنيا دعها تغدو مثل رماد بين يديه المتعبتين فمنير في ذاك الركن الحزين ، حزين !