مقطع الفيديو تم تصويره من أماكن متفرقة في السودان كانت لكلٍ منها دلالة خاصة على الأقل داخل وجدان الشعب السوداني، امتدت من شارع النيل إلى متحف السودان القومي، فيما تجول كلٌ من أعضاء الفرقة، تيّم ارماكوست عازف الساكسفون، مايكل بتريسينو على الطبل وجوزيف لابوري في أماكن متفرقة من العاصمة ويظهر المقطع تجوالهم من خلال التاكسي والركشة في زيارة لأحد الترزية لخياطة الزي القومي"الجلابية" وارتدائه كاملًا، مع زيارة إحدى الجزارات وشوي اللحم، وتناول "فتة الفول"، وزيارة أحد محلات حلويات المولد، انتهاءً بالمتحف القومي السوداني والعزف من داخله. وعلى صفحة السفارة تباينت تعليقات القراء على المقطع ووصف أحدهم الفيديو بأنهُ عمل أكثر من رائع يعمق العلاقة بين الشعبين، فيما عبر آخر عن تشجيعه للتقارب والتفاعل الثقافي بدون أيّ تحفظ خصوصًا فيما يتعلق بجوانب الموسيقى والفنون الشعبية، بينما يعتبر آخرون أنهُ يُعّرف العالم بعادات، ثقافة وتقاليد الشعب السوداني، مشيدين بدور السفارة في بناء العلاقه الإنسانية بين الشعبين، وأنهُ مهما تباعدت الرؤى السياسية فإن الشعوب تتقارب وتتفاعل مع بعضها البعض. رؤيةٌ أخرى مخالفة تمثلت في رد أحد القراء قاطعًا بعدم حاجة الشعب للتقارب الفكري بل ما يحتاجه هو ابتعاد الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى يتجه السودان نحو الإنتاج. الموسيقى والشعوب ووفق تقارير يرى بعض المختصين أن الفنون هي خير سفير بين الثقافات ولكونها تتخطى حواجز اللغة والأنماط السائدة وتعزز التفاهم بين الشعوب وتساهم في التقارب بينها وترسل رسالة للعالم مفادها احترام الآخر والمساواة. حتى في الحروب كانت الفنون محط تقدير وتقديس لأنها من أرفع القيم وكفيلة بتحقيق الحوار الثقافي بين الحضارات لنبذ كل ما يمت للعنصرية والإرهاب والاستعمار، فيما تواصلت الحضارات بمختلف أنواعها في الشرق والغرب على حد سواء إذ تواصلت الحضارة العربية الإسلامية مع مختلف الحضارات في الشام والهند والصين واليونان، وقد لعب الفن الإسلامي دوراً كبيراً في خلق حوار فني حضاري وصف بالمتميز، في الوقت الذي اعتبر أنه كان للأدباء والفنانين دورًا بارزًا أيضاً في إشاعة ثقافة السلم والتعايش بين الشعوب، وفي إثراء الثقافة الإنسانية وخدمة القضايا الإنسانية العالمية. القيم الأمريكية بالمقابل لا ينظر الخبير الاستراتيجي الهادي أبو زايدة لما سبق سوى أن الهدف الاستراتيجي الأمريكي منه هو نشر ثقافة الجاز وتصدير القيم الأمريكية وليست من باب التبادل الوجداني مشيرًا إلى أنهُ كانت لتكون هناك أنسنة للموسيقى لو قدمت الفرقة معزوفات عالمية لبيتهوفن، بوب مارلي الذي يمثل التحرر الإفريقي، أو وردي الذي يمثل الوحدة، مضيفًا في حديثه ل(السوداني) أمس أنها إحدى آليات السياسية الخارجية الأمريكية لنشر القيم الأمريكية والثقافة الصاخبة في الشارع السوداني، واستدرك أبو زايدة في حديثه معتبرًا أنها خطوة في الطريق الصحيح نحو احترام الشعب السوداني وتقديم العذر له نتيجة السياسة الخاطئة للولايات المتحدة، وأضاف: ما الذي نحتاجهُ، موسيقى؟ شارع المعونة حتى اللحظة يحترمهُ الناس ولا زال الاسم قائمًا كونهُ لامس حاجات الشعب السوداني، موضحًا أن صورة الولاياتالمتحدة تآكلت بفعل السياسات ولا يكفي أن تعزف ساكسفون لبناء علاقات تهشمت في الوجدان السوداني والموسيقى هنا لا شيء إزاء التراكم السلبي لسياسات الولاياتالمتحدة، معتبرًا أن حجم الترويع في السياسات الأمريكية ما عادت ترقعهُ الموسيقى والنوتات على شارع النيل. الشعب والسياسة وفي سياقٍ منفصل اعتبر المحلل السياسي الحاج حمد أن سمعة أمريكا الخارجية تأثرت كثيرًا وتحديدًا عقب القرار الأخير الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل مما خلق ردود أفعال تجاوزت الدوائر الرسمية إلى الشعبية، لافتًا في حديثه ل(السوداني) أمس إلى أن السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية وضعت السودان في حيز ضيق، وحول تأثير الفيديو أشار إلى أن الشعب السوداني استقبل الفرقة بشكل إيجابي وقد انسجمت معها وأن فرقة الجاز هي الموسيقى الشعبية للأمريكان ولجهة ارتباط فرق الجاز بالجذور الإفريقية وهي جزء مهم في الإرث السوداني. ويرى الحاج أن السفارة تستهدف أيضًا العاملين بها ففي برنامج أيّ سفارة هناك تسويق اجتماعي معتبرًا أن العلاقات الآن دون مستواها السابق حيثُ كان هناك سابقًا مركز ثقافي أمريكي ومنح دراسية. فلاش باك في الأول من ديسمبر أعلنت سفارة واشنطن بالخرطوم عن زيارة فرقة جاز أمريكية للخرطوم وعدة مدن بهدف بناء جسور التواصل وتعزيز التفاهم المتبادل بين شعبي البلدين.. ووفق بيان سابق للسفارة الأمريكية بالخرطوم فقد دعت فرقة (بيتريو) للجاز الكلاسيكي التي تتكون من ثلاثة موسيقيين . وأن الدعوة تمت بالتعاون مع جمعية الصداقة السودانية الأمريكية واللجنة العليا لمهرجان جبل البركل. وذكر البيان أن "الهدف من هذا التبادل الثقافي هو بناء جسر للتواصل بين الشعبين من خلال الموسيقى". وفي العاشر من ديسمبر ألغت السفارة حفلًا للفرقة كان مقررًا إقامته في الساحة الخضراء في الثالث عشر من ذات الشهر ونقلهُ لمكان خاص، وأتى ذلك تزامنًا مع احتجاجات اندلعت تنديدًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.