أكثر من شهرين مَرَّا؛ ومازال المُواطنون يكتوون بنار الخُبز، الذي ارتفعت (فاتورة) شرائه للضعف، فالأسرة التي كانت تَستهلك خُبزاً بعشرة جنيهات للوجبة الواحدة بقي عليها أن تُحضِّر عشرين جنيهاً قبل (تجهيز الصينية)، ومثلها للوجبة الثانية باعتبار أنّ الشعب السوداني كله أصبح يتناول وجبتين فقط..! مُضاعفة فاتورة الرغيف جعل الحاج أحمد محمد يقول (الواحد بقى مُحتاج لخمسين جنيهاً في اليوم للرغيف فقط)، هذا الوضع دفع الكثيرين لمُحاولة خلق بدائل تقيهم (شر نيران الخُبز) بعد السياسات الاقتصادية التي دخلت حيِّز التّنفيذ مع بداية العَام وانعكست بشَكلٍ مُباشرٍ على مَعايش الناس، ولأنَّ الأمر أصبح واقعاً لجأ كثيرٌ من الأُسر للبحث عن بدائل تُخفِّف بها ميزانية شرائه لتَعود القُراصة والكِسْرَة وتصبحان من سيدات موائد الطعام وتتحوّلان إلى وجبة أساسية بعد اختفائهما عن الموائد خلال فترة طويلة جداً، غير أنّ أُسراً أخرى لم يكن أمامها خيارٌ سوى الاعتماد على الرغيف مهما بلغ ثمنه، لأسبابٍ منطقيةٍ مثل الأُسر التي تعمل ربّات المنازل بها كمُوظّفات أو عاملات وتستهلك الوظيفة أغلب يومهن. (عواسة الكِسْرَة) الخالة زينب الفاضل قالت ل (السوداني): بعد أن أصبح سعر قطعة الخُبز بواحد جنيه، لم يكن أمام كَثيرٍِ من الأُسر – وأنا منهم - مفرٌ سوى العودة إلى (عواسة الكسرة)، رغم صُعوبة صناعتها وارتفاع كُلفتها، لكن مع الوضع الحالي تبقى هي الخيار الأفضل للكِثيرين، لأنّ صناعتها تُخفِّف من استخدام الرغيف خلال اليوم، صحيحٌ أنّ كُلفتها غير بسيطة والجُهد المَبذول في صناعتها كَبيرٌ جداً.. وأضَافَت: الكِسْرَة لها فوائد كثيرة فهي تعطي الإحساس بالشبع ولا تجعلك تشعر بالجوع سريعاً وتوفِّر استهلاك الخُبز. ووافقتها القول الخالة سمية، حيث قالت: لقد عَادت القُرّاصة والكِسْرَة بأمر الغلاء الذي حَدَثَ للخُبز وتسبّب في مشاكل كثيرة بين الأزواج وزوجاتهم بحجّة (زيادة المصاريف) مع سُوء الحالة الاقتصادية التي يُعاني منها أغلب الناس، فعادت الكِسْرَة والقراصة وأصبحتا من الأطباق الأساسية في كل وجبة، وأضافت: شخصياً أصبحت أصنع القراصة بالمنزل يومياً، لأنّ الخبز لا يكفي لوحده، خَاصّةً إذا كان عدد أفراد الأسرة فوق الخمسة. دُخُن فقط ونسبةً للتداخُل الذي حَدَثَ بالمُدن، هنالك بعض الأُسر تعتمد في غذائها على الدُّخُن وتقوم بصنعه بعدّة طُرق، حيث يقول العم مُحمّد أحمد ل (السوداني)، إنّ زيادة الأسعار شملت كل شيء حتى الدُّخُن فقد بلغ سعر الكيلة منه 190 جنيهاً، في حين كان قبل فترة قليلة لا يزيد عن 120 جنيهاً، وزاد بقوله: نحن الرغيف لا يَهمنا كثيراً لو أصبحت بعشرة جنيهات أو العشر رغيفات بجنيه واحد، لأنّنا ناس دُخُن وهو وجبتنا الأساسية، حيث نصنع منه العصيدة والكِسْرَة وأحياناً قُراصة فهو يعطي طاقة للجسم. تقليل حصَّة!! مجذوب أحَد العَامِلين بمخبز النهضة بأمدرمان ود البخيت قال ل (السوداني): بعد الزيادات التي طرأت على مُدخلات الخُبز وتسبّبت في مُضاعفة سعره، أصبح إقبال الأُسر عليه ضعيفاً جداً، فمثلاً الذي كان يشتري (كيسين) – 20 رغيفة بعشرة جنيهات، ظلّ يتناول خُبزه بذات القيمة النقدية عشرة جنيهات مع تقليل الكمية إلى النصف عشر رغيفات بدلاً من عشرين! وهذا الوضع كان لزاماً على أصحاب المخابز التعامل مع الوضع الجديد حتى لا تبور بضاعتهم، فالوضع لا يحتمل قُبُول أيِّ خسارة مع ارتفاع أسعار الدقيق والزيت والخميرة وزيادة تعرفة الكهرباء والغاز، وأضاف بقوله: إنّ المُواطنين ظلوا كذلك يشكون من رداءة الخُبز، خَاصّةً البلدي وعندما يأتون لشرائه يتّهموننا بأننا نبيع لهم البائت، ولا يصدِّقون أنه خُبز اليوم، وأحياناً يقومون بإرجاعه والذهاب لمخبز آلي آخر، وهُم لا يعرفون أنّ العلة في الدقيق المصنوع منه الخُبز وليس بيدنا شيءٌ، لأنّ الشركات المُوزِّعة هي التي تعطينا الدقيق وإذا رفضنا استلامه يتم تحويل حصتنا إلى مخبزٍ آخر. وبالمُقابل، أكد إبراهيم حسن الذي يعمل بالمخبز الآلي ل(السوداني)، أنّ الخبز الآلي تختلف طريقة صناعته عن البلدي، حيث تتم إضَافَة لبن البودرة إليه، وبعد الزيادات الأخيرة ارتفعت أسعار المُدخلات وهذا الارتفاع أدى إلى زيادة سعر الخُبز، وأضاف: المخابز أصبحت حصتها مُحدّدة من الدقيق وأصبحنا نأخذ 10 جوالات دقيق بدلاً من 20، لذلك قلّلنا عدد القطع اليومي حتى لا تصبح لدينا أزمةٌ في الدقيق. (ما باليدِّ حيلة)!! رجاء بائعة كِسْرَة وجدتها وهي تجلس تحت لهيب شمس لاهبة تغطي رأسها ب(طاقية) مصنوعة من السّعف، واضعةً أمامها صندوقاً عليه صينية مليئة بالكِسْرَة ومقفولة بإحكامٍ، سألناها عن سعر (الرهيفة) فقالت: كُنت أبيع ثلاث لفّات بخمسة جنيهات، لكن الآن أصبحت أبيعها بعشرة بسبب ارتفاع سعر دقيق الذرة الأبيض، وأضافت: العديد من المُواطنين يتذمّرون عندما يأتون لشرائها ويعرفون أنّ سعرها ارتفع، لكن ماذا نفعل (ما باليد حيلة)!! جميع السلع أسعارها ارتفعت وليس بأيدينا شيءٌ، ففي الماضي، كنت اشتري دقيق الذرة الأبيض "زادنا" ب 90 جنيهاً، الآن أصبح سعره 180 جنيهاً، لذلك أقوم بشراء الذرة وأطحنها وبلغ سعر الكيلة 150 جنيهاً وأضيف له بعضاً من دقيق القمح، وبلغ سعر كيلة القمح 200 جنيه، إضافةً إلى أنّ الغاز أيضاً ارتفع سعره لكنه أفضل من الفحم بعدة مرّات، لأنّنا نقوم بعواسة كميات كبيرة.. واختتمت بقولها: ناس المخابز يقولون إنّ رغيفهم (بَار)، ونحن أيضاً كسرتنا (بارت)، (يا ربي الناس دي خلَّت الأكل واللاّ شنو)..؟!