مع كامل التقدير لأهمية تدبر تجاربنا التاريخية إلا أن ذلك لا يجعلها جل همنا أكثر من الحاضر والمستقبل، لأنه لا يمكن إعادة عجلة التاريخ للوراء بعد انتشار الوعي الجماهيري خاصة وسط الكنداكات والشباب. هذه ليست دعوة لطي صفحات التاريخ أو البصق عليه كما يفعل البعض ولا تقديسه وتمجيده كما يفعل البعض الآخر، إنما هي دعوة للانتقال من حالة الركود الذهني والمجتمعي نحو الفعل الإيجابي لتأمين إنجازات الحاضر والبناء عليها لقيام دولة المواطنة والسلام والعدالة والكرامة الإنسانية. كما أنها ليست دعوة لغض الطرف عن الأخطاء والسلبيات أو تضخيم الإنجازات التي تمت، إنما هي دعوة لمزيد من اليقظة والوعي بأهمية استكمال مهام المرحلة الانتقالية ودفع استحقاقاتها للمواطنين، وتهيئة المناخ الصحي لقيام الحكم المدني الديمقراطي. لن يتحق ذلك عبر توقيع الاتفاقيات الثنائية والجزئية وسط تكالب الموقعين على السلطة والمغانم، إنما لابد من تكثيف الجهود وسط المواطنين لتعزيز السلام بدلاً من تأجيج الفتن المجتمعية، ودفع خطوات الإسعاف الاقتصادي والإصلاح القانوني والعدلي والإحياء السياسي والنقابي والثقافي بدلاً من وضع العصي أمام الحراك الجماهيري. الإحياء السياسي مسؤولية الأحزاب الجماهيرية وليس أحزاب التوالي والأحزاب المنكسرة والمصنوعة إنقاذياً والإحياء النقابي مسؤولية الاتحادات والنقابات بعد إعادة بنائها ديمقراطياً والإحياء الثقافي مسؤولية الأندية والمنتديات الثقافية والفرق المسرحية وكل الناشطين الفاعلين في الساحة الثقافية. لن نكرر الحديث عن وجود أعداء لثورة ديسمبر الشعبية، وأنهم مازالوا يفتعلون الأزمات والاختناقات المعيشية ويؤججون الفتن المجتمعية ويبثون سمومهم عبر صحفهم ووسائطهم ومنابرهم المتناسلة، فقط نؤكد أن مواجهتهم مسؤولية مشتركة عبر الحراك السياسي والنقابي والثقافي الجماهيري بمشاركة إيجابية من الكنداكات والشباب. هذا يتطلب أيضاً تعزيز أدوار القوات النظامية المختلفة وتأمين قوميها ومهنيتها وإبعادها من كل انواع الاستغلال السياسي الذي يصرفها عن أداء رسالتها المقدسة في الدفاع عن الأرض وحماية الأمن الداخلي وأرواح المواطنين وممتلكاتهم. إن الذين يستعجلون قيام الانتخابات قبل إكمال المهام الانتقالية يسعون بيأس بائن لقطع الطريق أمام إنجاز مهام المرحلة الانتقالية وإجهاض عملية الانتقال السلمي للحكم المدني الديمقراطي.