هذه ليست المحاولة الانقلابية الأولى، ونسأل الله الحافظ الحفيظ أن تكون الأخيرة، دون أن يقلل ذلك من أخذ الحيطة والحذر والاستعداد لمخاطر ما يدبر سراً وعلانية ضد ثورة ديسمبر الشعبية، ودون أن نفقد الأمل في إمكانية استكمال مهام المرحلة الانتقالية، وتهيئة الأجواء الصحية لقيام الحكم المدني الديمقراطي. للأسف ما زالت تصريحات المسؤولين – عقب كل حادثة – معلقة في الهواء بعيداً عن التطبيق الملموس على أرض الواقع، سواء بمعالجة الأزمة الاقتصادية والاختناقات المعيشية أو في حسم المؤامرات والتفلتات الأمنية المزدادة. نتفق مع تصريحات رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك بأن المحاولة الانقلابية الفاشلة جزء من مظاهر الأزمة الوطنية، وأنه لابد من إصلاح الاجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها، رغم أن كل ذلك معروف مسبقاً، والمؤسف أكثر أن المعالجة أيضاً معروفة، لكنها ما زالت تتعثر، خاصة أمر إعادة هيكلة القوات المسلحة وكل القوات النظامية وتنفيذ قرار مجلس الأمن والدفاع بجمع السلاح من كل القوات والمليشيات خارج القوات النظامية. كذلك ليس هناك خلاف على دور القوات المسلحة في حراسة السودان، كما قال رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لكن لم يكن هناك داعٍ للتعبيرات غير اللائقة، كقوله: "البرضى برضى والما برضى…" وليس هناك تعارض بين الحكم المدني الديمقراطي ودور القوات المسلحة وكل القوات النظامية في حفظ السودان، وحماية أمن المواطنين وممتلكاتهم، لكن ليس بالانقلاب على الحكم المدني الديمقراطي. إن المطلوب من الحكومة الانتقالية تنفيذ مهامها في تحقيق السلام الشامل العادل بكل ربوع السودان بعيداً عن المزايدات والمساومات والترضيات والحلول الجزئية والثنائية، ودفع استحقاقات الإسعاف الاقتصادي، ومعالجة أسباب الاختناقات المعيشية والخدمية، واستعجال إجراءات بسط العدالة وسيادة حكم القانون بعيداً عن اللولوة والجرجرة، واستكمال أجهزة الحكم الانتقالي وقيام المجلس التشريعي الانتقالي. نعلم أنه ليس هناك فرصة لنجاح أي محاولة عسكرية تحت أي مظلة من المظلات في ظل ثورة الوعي والإصرار على إنجاح التغيير الثوري ويقيننا التام أن المواطنين الذين نجحوا في إسقاط سلطة القهر والتسلط والظلم، لن يخضعوا لأي نوع من أنواع الابتزاز السياسي، تحت أي مبرر من المبررات. من حق المواطنين على الحكومة الانتقالية التي جاءت على أكتاف ثورتهم الشعبية أن تسرع بخطوات عملية ملموسة لأداء مهامها الملقاة على عاتقها بالفعل المباشر؛ حتى يحس بها الناس في حياتهم، وليس عبر التصريحات التنظيرية التي لا تغني من جوع ولا تحمي من خوف.