** قبل كم سنة، وكان الدكتور عبدالحليم المتعافي والياً بالخرطوم، صعد أحد المواطنين إلى برج البركة، حتى بلغ الطابق الأخير.. ومن هناك، هدد بالانتحار ما لم يأتِ الوالي بحلول عاجلة لمشاكله، وكانت المشاكل: إيجار كم شهر، رسوم مدارس، حق العلاج، وتفاصيل أخرى..المهم، تدخلت الشرطة بالتفاوض، وأنقذت المواطن من الموت انتحاراً وأحالته إلى التحقيق والمحاكمة، ولكن مسؤولاً بالخرطوم صرح لصحف اليوم التالي قائلاً: (نحن ح نحل مشاكل المواطن اللي طلع البرج).. أعجبني التصريح، فكتبت زاوية تحت عنوان: (تمام، كلنا ح نطلع البرج)..!! ** وليس في الأمر عجب أن نعيد عنوان تلك الزاوية ذاته في زاوية اليوم، أي كما أزمات بلادنا التي نعيد إنتاجها ذاتها كل يوم منذ فجر الاستقلال.. فلنقرأ الخبر الآتي: (وجه مدير جامعة الخرطوم عمداء الكليات بإعفاء طلاب دارفور من الرسوم الدراسية، وكذلك وجه بتسجيل طلاب القبول الخاص بدارفور بتسجيلهم بدون رسوم لحين التشاور مع السلطة الانتقالية لدارفور عن وضعهم)، هكذا الخبر.. أي إعفاء من رسوم القبول العام، ثم تأجيل رسوم القبول الخاص، وليس في التوجيه ما يعيب، إذ ظروف الأهل الأمنية والاقتصادية بدارفور تستدعي مثل هذا التوجيه، ليس في جامعة الخرطوم فحسب، بل في كل جامعات البلاد.. فالتوجيه صائب.. يلا، (نقرض على كدة)، و.. نواصل..!! ** بالنيل الأزرق أيضاً - كما دارفور - يعيش الأهل ذات الظروف الأمنية والاقتصادية، وكذلك لهم أبناء وبنات بجامعات ومعاهد بلادهم، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا لا يشملهم هذا التوجيه الإنساني؟.. وهناك بجنوب كردفان أيضاً، نزح بعض الأهل و يرزخ البعض الآخر تحت صواريخ الحركة الشعبية، وحل التوجس محل زرعهم وضرعهم وأمانهم، ولهم أيضاً - كما الأهل بدارفور - أبناء وبنات بجامعات ومعاهد السودان، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا لم يشملهم هذا التوجيه الإيجابي؟.. وبالشمالية، هناك المناصير، وهم في سلام، ولكنهم منذ خمس سنوات إلا قليلاً يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بلا زرع يكفي ضرورات حياتهم وبلا ضرع يجلب كماليات حياتهم، و لهم أيضاً - كما الأهل بدارفور - أبناء وبنات بجامعات ومعاهد السودان، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا تجاوزهم هذا التوجيه الإنساني ؟.. والإعسار يطال الزراع بالجزيرة والمناقل منذ سنوات، وعطش زرع هذا العام بسوء الإدارة، ولهم أيضاً - كما الأهل بدارفور - أبناء بالجامعات والمعاهد.. وهناك أيضاً..!! ** عفواً، فالزاوية لن تسع أسماء الولايات والمناطق، ولا تفاصيل حياة أهلها التي لا يختلف لون وطعم ورائحة فقرها عن لون وطعم ورائحة الفقر في تفاصيل حياة الأهل بدارفور.. إذ تساوت الأسر التي تقطن بالطينة بالأسر التي تقطن بالقطينة، من حيث الفقر وضنك الحياة والعجز عن تحمل رهق الرسوم الدراسية.. كما نجحت سياسة حمدي سابقاً، نجح نهج علي محمود حالياً، في تحقيق شعار: (سواسية أهل السودان جميعاً في الشكوى من قلة الفئران في منازلهم).. أمام شعار كهذا، وبعد أن صار واقعاً معاشاً على أرض واقع الحال العام، أليس مدهشاً بأن يكون هذا التوجيه الإنساني جزئياً، وليس شاملاً؟.. سادتي وأساتذتي بالتعليم العالي وجامعات السودان، تحية طيبة وبعد، ناهيكم عن أبناء وبنات السودان بالداخل، بل السواد الأعظم من أبناء وبنات المغتربين بحاجة إلى نهج قويم ينظر إلى رسومهم الدراسية - عامة كانت أم خاصة - بعين الرأفة والرحمة.. ولكن للأسف، نهجكم لم يعد ينظر بالرأفة والرحمة إلا لمن (يطلع البرج)..!!