الآن يبدو أننا كمن يتعلم من أول وجديد المقررات الأولية لمعاني الوطنية! فبالفعل وجّه وزير التعليم العالي الجامعات باستيعاب طلاب دارفور كجزء من تطبيق اتفاقية سلام دارفور، وكأنما نسبهم وحدها لا تكفي للدخول! ودخول اتفاقية سلام دارفور حيز التنفيذ، حدد لكثيرين جداً شكلا مختلفا من الحياة بدءاً من الذين سافروا كمجتمع مدني إلى الدوحة ذات نهار، وانتهاءً بالذين سيقفون على بوابة الحاكم العام لأقاليم دارفور تنظيماً للزائرين! لكنها بالطبع لن تحدد - الاتفاقية - الشخصية العلمية أو الدراسية للطالب الدارفوري داخل الحرم الجامعي، فهؤلاء الذين يتمطقون بلذّة الاتفاق كانوا ذات قبول من طلاب دارفور، ليس بتوجيه وزاري، إنما بما كفله لهم (البوكسن) وحق التعليم العام، كانوا مقبولين بنسبهم وليس بسحناتهم ولا اتفاقاتهم! نتفق أن التمييز الإيجابي نفسه مشكلة لا تقل عن التمييز السلبي، فكما تمّ للطلاب الجنوبيين - قس عليه التوظيف لاحقاً - يتم الآن بشكل مفعم بالعاطفة الوطنية ومشاعر الإحسان تجاه الطلاب غير المستوعبين من دارفور، بغض النظر عمّا تحصلوا عليه من نسبة وتفاصيل الشهادة. الأسئلة المتلاحقة تبدأ بهل لم يكن هناك استيعاب لطلاب دارفور خلال سنوات الحرب؟ الإجابة ببساطة لا! ألم يقم طلاب دارفور بالجامعات والمعاهد العليا، ذات نهار متعسّر الفهم، بتظاهرات في قلب السوق العربي بالخرطوم؟ فمن أين جاءوا بفكرة مستفزة في عطفها بأن يوجه باستيعابهم كأنما هم ليسوا أهلا لذاك الاستيعاب؟ استيعاب أهل دارفور للسلام قد يحتاج إلى سنوات من الغسيل الجاف لكثير من الأفكار المتسخة و(المكرمشة) التي هدفت لزعزعة النسيج الاجتماعي - انظروا ماذا فعلت بي المصطلحات السياسية!- بزرع فتنة العنصرية والعرقية، ومحاولة العودة إلى ذات الحياة القديمة التي كانت حلوة وميسرة جداً بكل خلافاتها الحادة التي لم تتعد يوماً حائط الجيران دعك من الدولة بأكملها! بتمييل الجانب القلبي لأهل دارفور وحركاتها المسلحة بالتوجيه بدخول أبنائهم مباشرة إلى كافة الجامعات، فيه من (الدلع) غير المحمود الكثير، وفيه من التحايل على الحقوق ما هو أكثر! أكثر من قائمة مميزة أستطيع أن أطرزها بالألوان الناعمة والبرّاقة لكل العلامات النابغة لأبناء دارفور الدارسين تحت مظلة التعليم العالي السوداني وقت كان ليس هناك توجيه ولا توجه ولا موجهات! منهم من يعتلي اليوم مناصب دستورية في ذات هذه الحكومة ومنهم من خرج ولن يعود لأسباب تتعلق به! ومنهم من ارتضى الصمت النبيل والعمل الجميل بلا منّ أو أذى، فهل كانوا غير مستحقين لتلك المقاعد الجامعية؟ أم كانت الدنيا جميلة وعزيزة ولذيذة؟ - كما قالها الفنان هاشم صديق. صدقاً ليس ذاك بخبر ولا تحقيق يستطيع توضيح حسن نوايا الحكومة تجاه الاتفاق، وليس ذاك بنصر لأبناء دارفور (الشطّار) فالبوابات الكبيرة المفتوحة أمام قدرتهم على الحفظ والتحليل والإجابات المستعصية لا يحتاجون معها إلى المجاملة، بمقولة (اتفضلوا) إذا لم يؤمن قائلوها بأنهم أهل البيت!