اصدقاء الشمس...تفاصيل ما (أحترق) عمداً..! الخرطوم: فاطمة خوجلي أحاول أحيانا كسر الرتابة والتخفيف من رهق التفاصيل اليومية... لأستمتع بتأمل النيل رغما عن لفح الشمس... وفي الجانب الآخر من كبري (المك نمر) تحديداً جهة (الخرطوم) أربكني وللوهلة الأولى منظر طفل مضيت من جانبه وأنا أغض الطرف فقد حسبته ميتاً... صوت ما بداخلي أجبرني على الرجوع لأراقب مستوى تنفس الطفل... (سبحان الله تذمرت من الشمس لبضع دقائق لأجد من يلازمها جل عمره)... فتضاريس الحياة القاسية حرمته من أبسط مقومات المأوى والراحة... وفيما يبدو أن مثل هذه الشريحة رضيت بالأمر الواقع لعدم توفر البديل لتعقد اتفاقية صداقة مع الشمس فكانوا بذلك (أصدقاء الشمس) التي تضم الأيتام والمشردين وأصحاب المهن الشاقة. عرقلة حلم: وأنا اتأمل في ملامح الصبي تذكرت تفاصيل تلك المرأة الخمسينية أذكرها جيدا رغم طول الفترة وأنا أجدها في الجامع الكبير بالخرطوم وهي تتأوه ألماً من أناس يمنعون الخير. وعن أصل الحكاية أخبرتني أنها تحلم منذ صغرها بإنشاء مجمع للمشردين يجمع آمالهم وأحلامهم، مجمع يحوي مقومات الحياة المجتمعية من سكن وصحة وتعليم متمثل في معهد لتأهيل المشردين لأن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع بدلاً من أن يكونوا عبئا ثقيلاً. لا حياة لمن تنادي: المرأة لم تخف سبب حزنها وهي تبوح قائلة إن الجهات المختصة عرقلت سير الإجراءات والتراخيص بدلاً من تسهيلها...وأضافت "يريدون أن يجهضوا الحلم"، مستدركة أنها لن تيأس لآخر رمق لديها وأنها خاطبت تلك الجهات مراراً وتكراراَ ولكن: (لا حياة لمن تُنادي) مستنكرة: لما لا نُجرِبُ، ولو لوهلةٍ واحدة الإبحار في أسرارِ معاناةِ أشخاصٍ هم مكونون لمجتمعِنا، يعيشونَ بيننا؟ لماذا لا نعترف بهم؟!! لسنا للفرجة: قد تُجبرهم حياتهم على الصمت رغم رفضِ أنفسِهم ذلك، قليلون هم من تحدثوا ولكنهم أخفوا هويتهم خوفاً، لا من شرطي ولا من سوطِ جلاد بل خوفاً من مجتمعٍ ينظر إليهم نظرة عارٍ واحتقار، لا يعلمون ذنباً سوى أنهم (مشردون) . وعلى الرُغمِ من تغيرِ هذه النظرة إليهم نسبياًً إلا أنهم ما زالوا يُعانون قسوة مجتمعٍ لم يقبل الاختلاطَ الُمعلن بهم، والاندماج الكُلي معهم، لدرجة أن أحدهم يرفضُ أن يلعب ابنهُ أو يجلس بجانبِ مشرد... وعن نظرتهم السوداويةً تجاه الحياة أكد لي أحدهم كرهه لمجتمعٍ تبرأ منهم... وأنا أتأمله مضى وهو يقول لي: (لسنا للفرجة) أرهقنا ارهاصات الواقع المتداعي في بلادي بإنسانه واقتصاده. نظرة عميقة: الباحثة الاجتماعية معزة الفاضل تعلق قائلة: لا عجب عُزلةُ ولَّدت فجوة... ونظرات كونت إحباطات، هي تؤثر سلباً وإجباراً في مستقبلهم... ومن هنا دعوة لعدم التمييز بينهم وبين ابنائنا... مع الإشارة لِعظمِ هذا الأمر وصُعوبتِه في ظل المجتمع الراهن... ولكن الأمر يحتاج إلى نظرة عميقة أجِدُ أن مُجرد التفكيرِ في هؤلاء الأشخاص وواقعهم ومستقبلهم مُؤلم ومُحزن ومُتشعب، وأعتقد بوجوب التُوقف هُنا.