بعد زوال نظام حكم منقستو في إثيوبيا تاهت الحركة الشعبية وفقدت المأوى وتفاقمت مشاكلها وانشق منها قادة مؤثرون أمثال رياك مشار وكاربينو وأورك واستثمرت القوات المسلحة السودانية هذا الموقف وشنت عمليات صيف العبور الناجحة التي أجبرت الحركة على قبول الجلوس للتفاوض الذي انتهى إلى انتفاقية السلام الشامل وتبعاتها من استفتاء إلى انفصال الجنوب، ونفس السيناريو يتكرر حالياً مع قوات العدل والمساواة التي فقدت المأوى والدعم العسكري الذي كانت تجده وتتلقاه من ليبيا وتشاد ونرى أن تشاد لعبت الدور الرئيسي في إضعاف قوات العدل والمساواة وانسلاخ قادة مؤثرين منها وحضورهم إلى الخرطوم وأكمل هذا السيناريو غياب القذافي وموته، الرئيس إدريس دبي عندما زار الخرطوم في الثامن من شهر فبراير 2010 جاء متحرراً من أي قيود أو ضغوط خارجية وجاء بدون وسطاء وقبل مجيئه إلى السودان طلب من القوات الأوربية الموجودة في تشاد مغادرتها بعد انتهاء فترة عملها ووقع مع الرئيس البشير اتفاقية مصالحة تحظر التدخل في شئون الدولة الأخرى وتشكيل لجان أمنية وعسكرية لمراقبة الحدود المشتركة وفي نهاية المحادثات رفع الرئيس دبي المنديل الأبيض ملوحاً بنهاية الخصومة وأتبع القول بالعمل عندما رفض دخول خليل إبراهيم إلى تشاد بعد مجيئه من إحدى الرحلات الخارجية وغادر خليل إلى ليبيا حيث احتضنه نظام القذافي الذي أساء لاحقاً استخدام قوات العدل والمساواة عندما استخدمهم مرتزقة ضد ثوار ليبيا وبعد سقوط القذافي وموته تكرر سيناريو الحركة الشعبية وتاهت قوات العدل والمساواة وأصبحت بدون مأوى واتجه قائدها خليل إبراهيم إلى دولة جنوب السودان لتكون مرتكزاً له وهنا كانت بداية النهاية لحركته لأنه لم يقدر الموقف تقديراً سليماً وكان عليه أن يتعظ من اعتقال وأسر الفريق ألماظ وعدد من قادة حركته بواسطة القوات المسلحة أثناء تحركه من دولة الجنوب إلى دار فور قبل شهور خلت وهو الآن يكرر نفس السيناريو ويتحرك مع قواته على نفس المحور تقريباً ليلاقي مصيراً أبشع من مصير ألماظ ونرى أن هناك أسبابا كثيرة أدت إلى هزيمة قواته وموته منها افتقار حركة العدل والمساواة إلى القائد العسكري المحترف مثلما كان عليه العقيد جون قرنق في الحركة الشعبية الذي كان يقرأ الموقف جيداً قبل أي خطوة يخطوها وهذا الغياب للقادة العسكريين أدى إلى أخطاء كبيرة مثل التحرك العرضي في أراض مكشوفة يعرضها للقصف الجوي ولا تملك هي أسلحة مضادة للطائرات. والتحرك في أراضي قبائل مواطنين غير موالين لحركته وعدم إرسال عناصر استطلاع ومخابرات في مقدمة القوات للإمداد بالمعلومات عن الطرق والرأي العام للمواطنين وهل سيرحبون بهم أم لا؟ كما أنه لا يعقل أن يتحرك رئيس الحركة ويقود معركة بنفسه وكان عليه الانتظار في مركز قيادة آمن وهكذا انطوى تقريباً ملف حركة العدل والمساواة ونتوقع أن يلحق بقية قادتها باتفاقية سلام الدوحة وقد تخلو الساحة لعبد الواحد محمد نور ولكن لا نعتقد أنه سوف يحقق النجاح لأنه رجل غير عسكري ولا توجد لديه قوات ومعدات عسكرية كافية ولوجوده الدائم تقريباً خارج السودان ولإعلانه على الملأ انحيازه إلى إسرائيل، وزارها وهذا ضد رغبة أهالي دار فور المسلمين البسطاء كما أن دكتور تجاني السيسي سحب البساط من تحت أقدامه لأنه أدرى بشعب دار فور وعاش مشاكلهم وتفقدهم في ديارهم ومهما حدث من الراحل خليل إبراهيم يحفظ له أنه لم يلجأ إلى إسرائيل لمساعدته ولم يطالب بالانفصال أو تقرير مصير دار فور ولم يرحل أسرته من السودان ومتمسك بدينه الإسلامي ومن المفارقات أن يموت ويدفن خارج حدود دار فور التي قاتل من أجلها، ومن أخطائه الكبيرة لجوؤه للحركة الشعبية لإيوائه وهو يدرك تماماً أن الحركة سوف تستخدمه لتحقيق مصالحها أولاً للضغط على حكومة الخرطوم لتحقيق مطالبها مثلما استخدم جون قرنق الدارفوري الإسلامي الراحل داود يحيى بولاد عندما أرسله في حملة عسكرية مع عبد العزيز الحلو من الجنوب إلى دار فور لتشتيت جهود القوات المسلحة ولكنه مات مقتولاً في دار فور وهناك مقارنة بين موت القذافي وخليل إبراهيم، فالأول مات متأثراً بجراحه بعد قصف كنفوي عرباته بواسطة طيران التحالف الغربي وخليل إبراهيم مات أيضاً متأثراً بجراحه بعد تعرض كنفوي عرباته إلى القصف الجوي أيضاً ولكن بواسطة سلاح الجو السوداني ثم حصار هذه القوات والاشتباك معها وفي الحالتين لم يتوقع المهاجمون أن يكون القذافي وخليل إبراهيم ضمن هذه القوات وقد تم التعرف عليهما بعد حين، وأخيراً نقول بقليل من الجهد والمتابعة من حكومة الخرطوم ودكتور السيسي وحكومة قطر قد يتحقق سلام دائم في دار فور في إطار اتفاق الدوحة وقبل ذلك لا بد من تجديد العفو العام لحاملي السلاح مرة أخرى. لواء ركن (م) بابكر إبراهيم نصار الملحق العسكري الأسبق في إثيوبيا