بسم الله الرحمن الرحيم انفلات الشارع السوداني إلي متى ...؟ وإلي أين ...؟ صلاح الطيّب الأمين هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته تميز الشعب السوداني عبر تاريخه الطويل بمبادئ وقيم أصيلة ونبيلة اكتسبها من التراث الإسلامي الزاخر بكل ما هو جميل ومثمر ومفيد .شملت هذه الصفات العِزة والكرامة الشموخ والكبرياء والكرم والشجاعة والتّكافل والتّراحم وكانت أجيال ذلك الزمن الزاهر تنظر إلي الأمام دائماً في تفاؤل وتطلّع نحو الأفضل وتنبذ كل ما هو قبيح ومسيء وتركله إلي الوراء في غضب ورفض وازدراء : Look forward for hope , look back in anger ! والأمة السودانية قد ضربت أروع الأمثال في الثبات والصمود والانتماء حين التفت حول المهدي عندما قاد ثورته للإصلاح والتّجديد والتّغيير لاقتلاع الاستعمار وكان سلاحه الإيمان حينها قال تشرشل القائد البريطاني الأسطورة في كتابه ( حرب النهر ) : " إننا لم نهزم هؤلاء الشجعان وإنّما سحقتهم القنابل والمدافع " . لقد عمل المهدي علي ترسيخ الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد محافظاً علي التراث السوداني الأصيل النابع من الحضارات العربية والإسلامية والأفريقية ونقل هذا التراث إلى الأجيال المتعاقبة وكان الشارع السوداني منضبطاً بكل وسائل الضبط الاجتماعي : الدين ، التّربية ، القانون ، القِيَم الاجتماعية ، العُرف ، الرأي العام وبهذا التراث الزاخر بالمبادئ والذي اكتسبناه عبر الأجيال اقتحمنا العالم الخارجي بكل الثقة والإعزاز : يا بلادي نحنُ مِن نَفَرٍ عمّروا الأرضَ أين ما قطنوا ! يذكُرُ المجدُ كلما ذُكروا وهو يَعتزُ حٍينَ يقْتَرِنُ..! وثمة انفعالات تملّكت كل ذَرّة من كَيان الشاعر الشفيف إسماعيل حسن " ود حد الزين" وأحدثت ضجّة في أعماقه وجعلته يتساءل : يا أسفاى ويا ذُلي ..... لو زى ديل ما أهلي !!! تصّور كيف يكون الحال .... لو ما كنت سوداني ؟؟؟ وأهل الحارة ما أهلي ! وكذلك : نحن في الشِّدة بأسٌ يتجلّي ! وينساب الشعر الصادق المُعبّر إلي الوجدان : من غيرنا ليقرّر التاريخ والقِيم الجديدة والسّيِر جيل العطاء المستميت على المبادئ مؤمناً المشرئب إلى السماء لينتقى صدر السماء لشعبنا جيلي أنا ......! وأغنيات رائعة تدفع إلى الحماسة والإقدام والكرم والشجاعة وحب الخير وتذكي لهيب الوجدان بحب الوطن : يا عزّة قومي .....فِكي الحصار .... واتوشحي الأمجاد إزار ... وكان فَتَرْ عَزْمِك وخار... استلهمي الروح من جناك ...(ود النجومي ) !!! لقد تصادق أبناء ذلك الجيل مع أنفسهم حباً للخير والحق والجمال وعشقاً للوطن فجاء المبدعون في كل المجالات علماً وفناً وأدباً ورياضة وكان منهم أخو البنات ومقنع الكاشفات وعشا البايتات وكان الصدق سّيد الموقف : كان كذب الناس من جنس الكبائر ..! كان صدق القلب من طرف اللسان كنا نجتاز الصغائر .... كانت الأنسام والأحلام ... والآلام والآمال .... تلهث نحو قسَمات الجمال ..! وكانت الفتاة السودانية مضرباً للأمثال عِفةً وأدباً واحتراماً . الشارع السوداني الآن يموج بكل ما هو مخيف وقبيح شكلاً ومضموناً وعارٍ من كل ما هو نبيل وجميل مظهراً ومخبراً وجوهراً والتّعرية ظهرت في الأجساد والأفكار والألفاظ والسلوك ... أنظر حولك الآن : أجساد عارية ومحّزقة وأخرى لابسة من غير هدوم كما يقول "عادل إمام " ! فالشارع العام الآن يعانى من همجّية سلوكية وصلت إلى درجة الفوضى المثالية فقد ضعف الوازع الديني وضاع المنهج وغابت القدوة وعندما اغتيلت التربية الوطنية ظهرت مناهج ( رزق اليوم باليوم ) وهي تضج بجهل ثقيل وفهم سقيم! مما يؤكّد غيبوبة المنهج والفشل التّربوي ...! وتدهور الانتماء للوطن كمنطلق للعمل والجدّية وسقطت الأصالة السودانية في قاع القاع الآسن وربما يكون هذا من عوامل حيرة وضياع شباب اليوم الذي نشأ في تشتتٍ فكرى وعقائدي مرجعه الحيرة التي تنتابه في ظل الجو الكئيب . والشباب دون عقيدة وعمل لا يستقيم له أمر ولا تطيب له حياة ، بل يجذبه التيار أينما سار ويكون سريع الاستجابة لغرائزه والاستسلام لهواه والعقوق لأمته ووطنه، وفساد السلوك يعكس فساد الفكر وقوة سلطان الهوى على المشاعر ومعالجة انحراف السلوك تكمن في تصحيح الأفكار وإصلاح المنهج والمفاهيم التربويّة وتقوية الإيمان ومعانيه في العقل والقلب "إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم "( الرعد 11) والشباب بطبيعته أكثر من غيره في حاجة إلي الانتماء إلي شيء يعطيه من ذاته ويبذل ويضحى من أجله والمجتمع لابد أن يتغيّر لأن التغيير علامة الحيّوية ومن غير المعقول احترام مجتمع راكد آسن لا يتغيّر فيه شيء . المجتمع السوداني الآن تحّول إلى سباق ولهاث مادي "Materialistic Race "تحكمه شريعة الغاب " Survival For The Fittest " " البقاء للأصلح " وربما للأقوى سيطرت عليه الأنانية وعبادة المادة والاقتناء .. ونتيجة لهذا التنافس انتشر العُنف في التعامل مع الآخر على كل المستويات ولا يوجد صبر في التّعامل مع الآخر ولا التماس عذر لأحد كمثال لذلك التّعامل في حق الطريق والتفاهم في البيع والشراء والجدل اليومي مع كماسرة الحافلات . أضف إلى ذلك الانتشار السرطاني للجامعات التي أنتجت سلبيات عديدة أبرزها البطالة والتي وصلت إلى نسبة70% من خريجي الجامعات وقد تتولد علاقة اقتصادية بين البطالة والجريمة فالبطالة تؤدى إلى العزلة الاجتماعية عندما تتضاءل قدرة الشباب على التّعامل مع المجتمع وتؤدى البطالة إلي الشعور بالإحباط والفشل وتقود إلى سلوك عدائي يدفع إلى السلوك الإجرامي : جرائم قتل وتمثيل بالجثث ، زنا ، اغتصاب الأطفال والمخدرات التي انتشرت بنسبة 90% بالجامعات تجارة وترويجاً وتعاطياً : هكذا انطمست قدسية العِلم وانطفأ بريق معدن السودان النفيس الأصيل وامتطي الشباب صهوة الوهم وأحرقوا ما تبقي من عمرهم .وتزداد الصورة قتامه عندما أنشئت القنوات الفضائية لتشويه الذاكرة وهي تقدّم البذاءات وثقافة العري لتظهر لنا ملابس الشذوذ في أسوأ مظاهرها : الاسكيرت الطالع والبنطلون النازل الSystem النّاصل ... فاصل ونواصل ..! والعياذ بالله ! والمشروع الحضاري يتفرّج ..! لا تَحَسَبنّ العِلَمَ ينفع وحَدهُ ما لمْ يُتوّج ربُّه بِخلاقِ !!! وتتسرب الأغاني الهابطة كالنمل فوق الرمل تغتال الوطن سراً وتُنزل علينا لعنات السماء : راجل المرة والترلة ، والقنبلة والشريف مبسوط منى، انتهاء بورا ورا التي قضت على كل إرثنا الأخلاقي وهزمت الكبرياء والشموخ ... ولماذا نتراجع للوراء ؟ والسودان كان يقود العالم العربي والأفريقي في الخمسينيات من يصدق أن كوريا كانت تتطلّع أن تكون كالسودان في الستينيات وأنّ التجربة الكورية قد بدأت بعد السودان بكثير . الآن قد فهمتم لماذا نتراجع للوراء ونغنى جهاراً نهاراً : ورا .. ورا ...ورا في ظل المشروع الحضاري ودولة التأصيل !! لابد من إعادة النظر في ضبط الشارع السوداني تربوياً لتعود صفات الحياء والعزة والكرامة إلي معانيها الحقيقية ويقيني أن ذلك يتم عن طريق بطاقة المرور إلى الغد ووسيلة البقاء في قلبه ويكمن ذلك في العلم . ولنبدأ ببطء وثبات ولوج بوابة العلم فالعلم قوة والدول التي تمارس خطاباً عالي النبرة تعتمد أساساً على قوة العلم وهكذا بفضل العلم تمتلك هذه الدول وسائل الرّدع والقوة للدفاع عن نفسها وتوفّر وسائل الرفاهية والتقدّم والحياة الكريمة لمواطنيها وماليزيا وقائدها المعلّم مَهاتير نموذجاً وهذا هو الخيار الأمثل والأفضل وقطعاً سوف نمضي إلى الأمام برأينا السديد وعزمنا الأكيد ، وننبذ " الوراء " بكل الغضب والرفض والازدراء .... وليكن شعارنا : مقاصد الشريعة الضرورية في حفظ الدين والنفس وحفظ المال والنسل والعقل والعرض ولابد من إعادة النظر في القِيم التّربوّية منهجاً وسلوكاً . والمصدر الرئيسي للقِيم التّربوّية هو القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم منهج حياة ودليل عمل ومصدر قِيم وبناء عقيدة ودستور إصلاح لإعادة صياغة الإنسان وتغييره نحو الأفضل وبناء شاكلته " كل يعمل على شاكلته " ( الإسراء 84 ) . ويتساءل الكثيرون : لمن تُقرع الأجراس ؟؟؟؟ أَهِزُّ بالشعر أقواماً ذوى وَسَنٍ في الجهلِ ، لو ضُربوا بالسيفِ ما شعروا !! علىّ نحتُ القوافي من مقاطعها وما علىّ إذا لمْ تفهم البقرُ.......!!! " كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ "(الرعّد : 17 ) صلاح الطيّب الأمين المنتدى التربوي السوداني ( 1