:: اليوم، لست بحاجة إلى تقديم قضية الزاوية بقصة خيالية أوحكاية تراثية، أو كما نفعل بمظان العظة والعبرة تارة، وبمظان تخفيف وطأة القضية على عقل القارئ تارة أخرى.. وعوضاً عن اللجوء إلى عوالم الخيال والتراث، نُخرج اليوم من ركام الواقع إحدى غرائب الإدارة في بلادنا وما أكثرها!.. ونأمل أن يرصد أهل الدراما والسينما وقائع قصة اليوم (الواقعية)، فهي تصلح لأن تكون (فيلماً تراجيدياً).. ولكن، من باب توخي الحيطة والحذر، يجب تنبيه مرضى السكري والقلب بعدم متابعة بقية الأسطر، واللهم بلغت فأشهد. :: فجر الاثنين قبل الماضي، تمخضت امرأة بالصحافة، وذهب بها زوجها وأهلها إلى مستشفى الخرطوم.. بعد الفحص والكشف والتحليل، تم تحويلها إلى غرفة العمليات، وتم إجراء العملية بنجاح وأعادوها إلى العنبر.. ثم أخطروها - وزوجها وأهلها - بأنها (سلفت طفلة)، وأحضروا الطفلة في لفافة بيضاء، فتقبلوا قضاء الله وقدره وغادروا المستشفى إلى ديارهم، ليواروا جثمان طفلتهم ثرى مقابر الصحافة.. بالمقابر، قبل دفن جثمان مولودتهم بدقائق، تلقى والدها مكالمة من موظف بإدارة المستشفى: (يا زول الجثمان المعاك ده ولد ولا بنت؟)، فرد الوالد مع موجة من الذهول: (بسم الله الرحمن الرحيم، دي بنتي الجبتوها لي ملفوفة، ليه السؤال ده؟)، فخاطبه الموظف: (لا لا، البنت دي ما حقتكم، رجعوها سريع)..!! :: احتار القوم بالمقابر حيناً من الزمن، فالمكالمة صادمة وغير متوقعة حتى في (عالم الأحلام).. المهم، عادوا بجثمان المولودة إلى المستشفى سريعاً حسب التوجيه، ليقابلهم الموظف ويستلم الجثمان شاكراً: (شكراً ليك ياخ، أتعبناكم معانا الليلة، الطفلة دي ما حقتك).. وقبل أن يكتمل الذهول في أذهان الوالد والأهل، واصل الموظف بمنتهى الوضوح: (إنت حقك ولد وحي، وهسة راقد جوة في الحضانة، ألف مبروك)، هكذا الحدث والحديث.. عادت الأسرة بمولودها إلى دارها، واستبدلوا الحزن بالفرح و(الدهشة).. والمدهش أن أسرة أخرى ظلت تبحث عن جثمان مولودتها المفقود في دهاليز المستشفى، إلى أن عادت تلك الأسرة بالجثمان من مقابر الصحافة.. هل مثل الحدث الذي حدث بمستشفى الخرطوم - في الألفية الثالثة – لا يزال يحدث في بلاد الدنيا والعالمين؟! :: وهذه أخرى.. أسرة بسوبا، تابعت مراحل ابنتها بواسطة استشاري، وظل نتائج الأشعة تشير إلى أنها تحمل (توأم، ولد وبنت).. وفي الموعد، حولها الاستشاري مع كل أوراق الكشف والتحليل والأشعة إلى مستشفى الخرطوم أيضاً.. ذهبت الأسرة بابنتها إلى المستشفى، وهناك أجروا الفحص والكشف والتحليل والأشعة، ثم كتبوا في تقريرها ()، أي هما (التوأم) المشار إليهما في تقارير الاستشاري.. وأدخلوها إلى غرفة العمليات، وبعد إجرائها بنجاح أعادوها إلى العنبر ثم أحضروا لها (المولودة)، فسألتهم عن المولود، فردوا بمنتهى البراءة: (لا ما في تاني، كان واحد بس)، فواجهتهم بتقارير الاستشاري، وكذلك بتقاريرهم، فردوا بذات البراءة: (لا دي تقارير مبدئية ساكت).. والقضية بطرف الشرطة، ولكن نسأل علماء وأطباء النساء والتوليد: هل تقاريركم الطبية أيضاً - كما فواتير المغالق ودكاكين الإسبيرات - بها المبدئية والنهائية؟.. على كل حال، تلك هي وقائع الحال الإداري بأكبر مشافي البلد، ولا يزال الوزير في منصبه (وزيراً)، وكذلك المدير بموقعه (مديراً).. نقترح تشكيل لجنة تحقيق، ثم محاسبة (سائق الوزير) و(سكرتير المدير).. نعم، لقد تقزم الطموح العام لحد المطالبة ب(كبش فداء ليس إلا)..!!