من المعلوم ما حدث من كتابة الأستاذة درة قمبو في الفيسبوك حول الأستاذ محمد حامد تبيدي ومن المعلوم أيضا رد الأستاذ تبيدي عليها في صحيفتي اليوم التالي والصحافة والفيسبوك أيضا وربما أخذ الموضوع أبعادا متعددة بسبب أن الأستاذ تبيدي ضابط في جهاز الأمن وفي الإدارة المختصة بالإعلام والصحافة وهي الإدارة ذات الوضعية التي تمكنها مما اصطلح عليه بالإجراءات الاستثنائية والتي هي مثار جدل طويل حتى من جانب الدولة ذاتها ممثلة في مجلس الصحافة والمطبوعات ولا ينسى أحد الحوار الذي وجه فيه البروف علي شمو تلك الانتقادات المشهورة. بعض هذه الانتقادات نشرت في ظل الرقابة الأمنية المباشرة من جهاز الأمن وبعضها تبنتها جهات في الدولة بل إن نبرة الجهاز في الحديث عن هذه الإجراءات كثيرًا ما تتضمن إشارات بأن الجهاز غير راغب في أن يفرض رقابة مباشرة على الصحف وأنه يرى أن الوضع الطبيعي أن تتحمل الصحف مسؤوليتها المهنية الكاملة. خلاصة الحديث أنه من الواضح للغاية أن هذه الإجراءات ليست من "ثوابت الإنقاذ" ولا تتعامل معها الدولة بهذا الفهم وأنها تداعيات أوضاع سياسية وعسكرية وأمنية وليست أكثر من ذلك. مع كامل حقنا وواجبنا في منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في رفض ونقد هذه الإجراءات إلا أن هذه المقدمة مهمة لوضع الأمور في سياقها السليم. هنالك توجه بين الصحفيين (يظهر ويختفي لفترات) وهو الدعوة لتجريد منسوبي جهاز الأمن من حق الكتابة الصحفية أو حتى من الوصف الصحفي تماماً، وتتسع هذه الدعوة أحياناً لتشمل كل موظف حكومي، ثم تتسع لتشمل صحفيي سونا والتليفزيون والإذاعة ليتضح أن الأمر أجندة (سياسية غير مهنية)، وهذا أمر غير قانوني وحتى لو وجد في بعض البلدان شرط عدم مزاولة مهنة أخرى فإن التجربة الدولية غير متفقة على هذا حتى في العالم الأول حيث توجد تجارب ديمقراطية مستقرة. لقد حضرنا العديد من المحافل الدولية وشهدنا على كثير من النقاشات حول تعريف الصحفي ولم نجد رأياً قاطعاً يشابه ما دعت إليه الزميلة درة قمبو أو عدد من الزملاء الذين يظهرون آراءهم ويضفون عليها صفة الانحياز للمهنية الصحفية أو غير ذلك. أنا أحترم رأي الأستاذة درة ولكن عليها أن تعلم أنه يأتي ضمن آراء متعددة وأن محاولة إجبار الصحفيين على تعريف محدد للصحفي إما أن يتبنوه أو يكونوا مؤيدين للحكومة هذا ضرب من ممارسة الإرهاب الفكري والذي هو تضييق للحريات الصحفية، ولذلك حسب وجهة نظري أن الفيصل هو قانون الصحافة والذي يسمح للطبيب والمهندس وضابط الأمن ورئيس المنظمة الناشط الحزبي ومدير البنك المركزي ومن يعمل في سفارة دولة أجنبية بممارسة المهنة أو على الأقل الكتابة الصحفية الراتبة ... وهنالك تفريقات تتعلق بالممارسة بالانتساب أو الاحتراف مفصلة في القانون وكذلك عضوية اتحاد الصحفيين بالاحتراف أو الانتساب ولذلك تبيدي من هذه الزاوية موقفه في السليم! الإشكالية ظهرت في نقل الأستاذ تبيدي للمعركة من الفيسبوك للملعب الورقي وهو ملعب لديه فيه صلاحيات وقلم وليس لدرة قمبو سوى قلمها لا سيما وأن نقد درة قمبو للأستاذ تبيدي كان من زاوية أنه ضابط في الجهاز وهذا ما أدخل في الموضوع تعقيدات أخرى. لا أتوقع إطلاقاً أن يكون تبيدي أو جهاز الأمن وجه الصحف برفض نشر درة قمبو فقد كتبت أقلام كثيرة خاصة في الوسط الرياضي من قبل ودخلت في مناقشات مع تبيدي ولم يوقفها أحد ومن باب الإنصاف والعدل لم يسع تبيدي لإيقافها بل أطال معها النفس ولم تسجل حالة تدخل فيها جهاز الأمن ضد من انتقدوا تبيدي بل حدث العكس تماماً. إنني أعتقد أن مشكلات الصحافة والحريات الصحفية "الفيها مكفيها" ولا تحتاج إلى المزيد بسبب مساجلات بين ضباط الأمن المكلفين بملف الصحافة والصحفيين ولذلك أدع لنشر رد درة وإغلاق هذا الملف وليستمر الأستاذ تبيدي وغيره من أصحاب الأقلام في جهاز الأمن في ممارسة حقهم المهني في الكتابة واقترح أن يكون في قضايا كلية واستراتيجية ولا صلة لها بالمساجلات الصحفية والله أعلم ...! .........................