القصة الكاملة لمهند.. الطالب السوداني الذي نجا من الإعدام السفير السوداني بماليزيا: كنا نثق بالبراءة (...) لهذا السبب والدة مهند: سألت ابني متشككة وكان رده مؤلماً! والد مهند: لهذا السبب حكم القضاة بالبراءة! كان يرتدي ملابس لونها أبيض وأحمر وهو يقف بقاعة المحكمة الفيدرالية العليا.. هي ملابس المحكوم عليهم بالإعدام، أيديه كانت مقيدة بالسلاسل، دقات قلبه تدق بسرعة وأعينه تنظر تارة على الحشد السوداني الذي ضاقت به القاعة، وتارة أخرى على القضاة الخمسة الذين يجلسون في المنصة. بصورة منفردة، كان كل قاض يصدر حكمه بصوت عالٍ "براءة".. بعدها قال رئيس القضاة "حكمت المحكمة الفيدرالية العليا ببراءة مهند من التهمة الموجه إليه باغتصاب الطفلة علياء أحمد حسين". ضجت القاعة بالتهليل والتكبير والهتاف.. ذهب حرس المحكمة مباشرة إلى الطالب مهند طه إسماعيل وفكوا القيد من يديه، وطلبوا منه أن يبدل ملابسه على وجه السرعة.. أخرجوه من القاعة، وبدل ملابسه وشكر من على البعد، أسرته الصغيرة وأعضاء السفارة وجميع الطلاب السودانيين بماليزيا، الذين توافدوا لحضور تلك اللحظة. تقرير: لينا يعقوب مهند اتهم بدءًا بقتل الطفلة بعد اغتصابها، لكنه بُرئ من الاغتصاب بعد ظهور نتائج فحص ال( D N A ) التي أبعدت عنه تهمة الاعتداء الجنسي. بدأت القصة منذ عام 2009، إثر علاقة جمعت الطالب مهند (30) عاماً بالفتاة إيلينا مهاتير (27)، ولأسباب اقتصادية سمح مهند لإيلينا وأبيها وزوجة أبيها وأخيها بالإقامة معه في الشقة، حيث منحهم غرفتين وكان يقيم في غرفة منفصلة داخل الشقة.. كانت في ذلك اليوم الطفلة علياء ابنة إيلينا وعمرها ثلاث سنوات تعاني من حمى ويظهر عليها الإعياء، اتصل مهند بوالدتها ليبلغها أن ابنتها تصرخ وعليها الحضور سريعًا لتقلها معه إلى المستشفى، تباطأت الأم في الحضور حسب إفادات مهند في جلسات المحكمة وما أن حضرت حتى استقل تاكسياً برفقة والدتها وذهبا بها إلى المستشفى الماليزي، وقبل الوصول ماتت علياء في الطريق. بعد ذلك طلب المستشفى منه ومن والدة الطفلة فتح بلاغ في قسم الشرطة، وفعلا ذهب الاثنان ومن ثم تم إلقاء القبض عليهما، وأطلق سراح إيلينا فيما وجهت تهم الاغتصاب والقتل لمهند. سفير السودان بماليزيا خالد عبد القادر والسفير السابق أيضاً بكوالالمبور وأفراد بعثة السفارة السودانية مهتمون بقضية مهند باعتبارها قضية رأي عام تمس سمعة السودانيين بمختلف مكوناتهم، كما أن الإعلام الماليزي ركز عليها كثيراً. يقول السفير خالد في حديثه ل(السوداني) بعد صدور حكم البراءة، إنهم كانوا متيقنين أن العدالة ستأخذ مجراها وستظهر براءته عاجلا أم آجلا ويضيف أن المحكمة استطاعت أن تثبت أن أم الطفلة كذبت أكثر من مرة خلال الاستجوابات الأولية وفي جلسات المحكمة، حيث قالت إنها متزوجة من أب الطفلة ولديها أوراق تثبت ذلك لكن في الحقيقة تيقنت المحكمة بعدم وجود أوراق تثبت أن أم الطفلة كانت متزوجة من أب الطفلة، أي أن علياء كانت طفلة غير شرعية. تقرير الطبيب الشرعي تقرير الطبيب الشرعي قال إن سبب الوفاة هو تعرض الطفلة للاهتزاز والذي قد يكون قد حدث خلال ستة أشهر قبل الوفاة, وهو ما يعرف بمتلازمة اهتزاز الطفل والتي تحدث عندما يهز الطفل حتى إن كان بإلقائه في الهواء على سبيل المرح مما يتسبب في احتكاك أوردة المخ مع الجمجمة وينتج عنه نزيف في الدماغ ويؤدي للموت البطئ للطفل، ويضيف السفير لم تكن هناك أي أدلة في مرافعة الادعاء أن مهند قد هز الطفلة طوال فترة الشهرين التي قضاها معها. أما الجزء الآخر من شهادة الطبيب الشرعي شمل العثور على أربعة وثلاثين إصابة في جسد الطفلة إلا أن الإصابات لم تكن لتسبب وفاتها. يقول والد مهند في حديثه ل(السوداني) إن القاضي أبدى ملاحظات يمكن أن تفهم بأنها حكم مسبق على القضية، وكما لو أنه وجد مهند مذنباً بالتهمة الموجهة إليه حتى قبل وصول القضية إلى نهايتها، وأنه لم يضمن على الإطلاق في تقرير الطبيب الشرعي بأن الهزة يمكن أن تحدث قبل ستة أشهر من الوفاة خاصة أن إقامة الأسرة مع مهند لم تتعدَ شهرين. والدة مهند.. رحلة بين السودان والسعودية وماليزيا كيف استقبلت الأم، نبأ القبض على ابنها واتهامه بقتل طفلة؟ كان هذا السؤال الذي طرحته عليها السوداني.. أجابت آمال أنها قبل أن تذهب لماليزيا لتلقى ابنها بعد أن سمعت بالخبر كانت متأكدة من براءته لأنها ربته تربية صحيحة، ورغم ذلك قالت في حديثها ل(السوداني) حينما التقيته قلت له "صارحني لوحدي يامهند إن كنت ارتكبت شيئاً حتى نتدارك المسألة بشكل صحيح" غير أن رده كان مؤلماً كما ذكرت آمال، حيث قال لها "يا أمي لو شكيتي فيني للحظة، لا تأتيني مجددًا على الإطلاق" وتضيف "بعد ذلك أحسست أني أخطأت جداً في حقه وكنت أتألم دائماً". طرقت والدة مهند جميع الأبواب وزارت عدداً كبيراً من الشخصيات، حيث لم تدع مسؤولاً في رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية أو العدل أو العون القانوني، والجميع أبدى تعاونهم معها. قالت آمال " بعد أن حكمت المحكمة على مهند بالإعدام قلت له إما أن نموت سوياً أو نعيش سوياً" ومع ذلك كانت تتيقن يومًا بعد يومًا أن الله لن يترك ابنها وسيظهر براءته. وتحكي قليلاً عن ابنها، أنه كان دائم الذهاب معها إلى الحرم في المملكة العربية السعودية حيث كانا يقيمان وحول الملابسات التي صاحبت علاقة مهند بالفتاة إيلينا وطفلتها وسبب وجودهما في مكان واحد قالت ل(السوداني) إن ابنها أجر شقة، وكانت إيلينا زميلته وطلبت منه أن يسكنها وأسرتها في شقته لأنهم لا يملكون فلساً واحداً، وتشير إلى أن ابنها سكن في غرفة داخل المنزل وجعلهم يقيمان في غرفتين أخريين، وكان والد إيلينا وزوجته وأخواها الاثنان يقيمون معه في المنزل لقرابة شهر ونصف قبل وفاة الطفلة. والد مهند..كانت رحلة طويلة كانت أسرة مهند .. أمه وأبوه وأخاه وأخواله منذ عام 2009 بعد أن اتصلت عليها السفارة السودانية لتبلغهم بالخبر المشؤوم، يتناوبون بالقدوم إلى ماليزيا تزامنا مع الجلسات ولم يكونوا يتركوه لوحده.. فوضت السفارة محامياً بناء على طلب والده طه إسماعيل، حيث بدأت محاكمته فعليا بعد عام من إلقاء القبض عليه، تحدث الوالد بأسى في حديثه ل(السوداني) كيف أن ابنه كان من حاول إنقاذ الطفلة وإسعافها في المستشفى وأنه تم اتهامه بقتلها في ذات الوقت.! ويحكى أن الرحلة القانونية كانت طويلة، فالقاضي أسقط تقرير الطبيب الشرعي الذي أشار إلى أن سبب الوفاة هزة في الرأس يمكن أن تحدث قبل ستة أشهر، واعتبر أن هذا التغاضي أدان ابنه الذي كان يدرس في السنة الأولى له في الجامعة، وكان تقرير الطبيب الشرعي يقول إن حدوث هزة في الرأس كانت سبب الوفاة.. وإسقاط الأمر أدان مهند بلا شك. ويضيف طه أن القضية حينما ذهبت إلى محكمة الاستئناف، ذهبت نفس الأوراق إلى المحكمة التي بدورها أيدت قرار الحكم بالإعدام، لكن حينما ترجموا الأوراق وجدوا إفادات مختلفة وأخرى كانت مخفية لم تذكر. وأشار إلى أنهم حملوا الأوراق الجديدة و(سي دي) يحوي الإفادات وذهبوا به إلى المحكمة الفيدرالية والتي بدورها طلبت من المحكمة الأولية أن تطابق الأوراق الجديدة بالإفادات المصحوبة وإن كانت صحيحة، وبعد أن أجريت تحقيقات وثبتت صحة التقارير، بدأت بوادر البراءة قانونيا تظهر. حشد جماهيري حضر الجلسة الختامية، السفير وزوجته والسكرتير الأول بخاري، وكانت القاعة مليئة بالسودانيين، وحسب المعلومات المتوفرة فقد طلب محامي المتهم أن يوجد السودانيين بمختلف فئاتهم داخل القاعة في جلسة سبتمبر من العام الماضي وأيضاً فبراير من العام الحالي لإظهار أن القضية قضية رأي عام. اضطر السودانيون أن يقفوا خارج القاعة لكثرتهم، وبعد أن صدر حكم البراءة هلل الموجودون في القاعة وخارجها، وكانوا فرحين بأن زالت تهمة ثقيلة التصقت بالسودانيين طه إسماعيل وجه الشكر عبر السودانية إلى مختلف الجالية السودانية والطلبة، وإلى وزير العدل ووكيل وزارة العدل ووزير الخارجية وبعثة السفارة السودانية القديمة والجديدة، والمستشار يوسف الصايم، والسفير سليمان عبد التواب، والأستاذ عبد العظيم حسن صالح، مهند كما قالت أمه في حديثها ل(السوداني) لا يريدون رؤية ماليزيا بعد اليوم "لو بقت قبله ما بنجيها".. وأشارت إلى أنهم ينتظرون ترتيب الورق المتعلق بإقامة مهند حتى يعودوا إلى السودان ويقيمون احتفالا بهذه المناسبة لابنهم.