بدأت القوى السياسية السودانية سواء كانت الحكومة أو المعارضة تفكر في حتمية الحوار وتبني عليه آمالا كثيرة . ربما شعروا بأن هناك بشارات على الأفق . أوربما شعروا أن هذه هي الفرصة الأخيرة ولن تكون هناك فرصة أخرى لجمع شمل الوطن وتجنب كثير من الفتن فما يحدث في كثير من دول الربيع العربي يدق ناقوس الخطر بما تشهده هذه الدول من تمزق ودمار . مدن كانت واجهة للجمال والسياحة ولكن زارتها الحرب فأرهقتها وأصبحت تحكي عن الموت والانفجارات والانفلات الأمني . فكيف تكون إمكانية خروج هذا المدن من هذا النفق المظلم؟ فالخاسر الأكبر هو هذه المدن فهي تخسر في كل لحظة شبابها وثرواتها ورجالها ونسائها وحضارتها وثقافتها وأهميتها في المنطقة ،وتتحول لدول للفوضى والاستباحة مثل دمشق مدينة الياسمين حيث كانت سوريا تتمتع بالسياحة التراثية مثل الآثار الإسلامية ( المسجد الأموي ) ومدينة اللاذقية مدينة المنتجعات البحرية ولكن إنها الحرب يا فتى . أين السياحة من سوريا الآن بفعل الحرب الدائرة منذ سنوات بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية وقد طالت هذه السنوات. كذلك كان الحال بالنسبة للمدن المصرية ، حيث فقدت مصر عددا كبيرا من السياح في دولة تعتمد كثيراً على إيرادات السياحة ،وكثير من فرص العمل للشباب اللاهث وراء العمل حيث مرت على المدن المصرية كل الأحداث كمدن تمر عليها كل فصول السنة في ليلة واحدة والعراق التي استمرت فيها ليالي الحزن كثيراً وليبيا حتى أن الحضارة والتراث تم اغتيالها في هذه الدول بنهب متحف العراق القومي بعد دخول الأمريكان العراق بعد سقوط صدام حسين ونهب مركز الجيزة في مصر أبان الأحداث . هذه المدن تبحث عن أمنها وعن كرامتها وحضارتها ولكن أين تبحث .. وكيف تبحث . هل ستعود مصر من كل ذلك مثقلة الجراح ومنهوكة القوى أم ستعود مصر أم الدنيا بلاد الحضارة الفرعونية والأزهر منارة العلم والجامعات مصر الإعلام والإنتاج الإعلامي والسينمائي . التاريخ يقول إن الحوار كانت له مجالس منذ القدم عند أهل السودان يجلسون بكل أريحية وطيب خاطر يتبادلون فيها الرأي والشورى في شؤون معاشهم وحياتهم وكان لهم أهل حكمة كم شهدت لهم تلك المجالس بالرأي السديد . هل يجمع الحوار أهل السودان من الفرقة والشتات ويشيع روح التسامح بينهم ويزيل الغبن ؟ هل يؤسس الحوار لتبادل سلمي للسلطة وديمقراطيات وحريات ؟ هل يضع أهل السودان مصلحة الوطن هي العليا ويتسامون على كل الجراحات ؟ هل سيكون الحوار بمثل الآمال التي علقت عليه ؟ أم سيكون هناك تفاؤل أكثر من اللازم. نجاح الحوار هو التحدي الذي تختبر به الإرادة السودانية من أجل أن تحصن المستقبل من معاناة الحاضر وويلات الفرقة والاختلاف . هل ستتعصى على أهل السودان بوابة الحوار والوفاق .إن العمل على إنجاح الحوار هو بمثابة الاستفادة من تلك الدروس القاسية التي تمثلت في معاناة الناس من التفرق والاحتراب . لا أحد ينكر إن في كثير من الفترات السابقة لم يكن أحد ينتظر حواراً. أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يأتي حواراً. ولكن الحاجة الماسة للحوار هي التي أوجدته لكي يكون الحوار ثرياً لأبد أن تكون العلاقة بين الحكومة والمعارضة مثل تلك العلاقة التي جعلت محمد أحمد المحجوب يقف بجانب الأزهري حين رفع علم السودان إعلانا باستقلال السودان .ولكي يستقيم حال البلاد لأبد من معارضة قوية تنبه الحزب الحاكم للإخفاقات ، خير للحكومة معارضة قوية من معارضة صورية أو كرتونية فقوة المعارضة من قوة الحكومة 0المعارضة القوية تجعل الحكومة دائما تبحث عن الانجازات والنجاحات والمعارضة الضعيفة تجعل الحكومة تنوم في العسل ويستشرى فيها الفساد والظلم فهي لا تخاف رقيباً ولا حسيب والمعارضة القوية تفيد الحكومات فوائد كبيرة وعظيمة بالمراقبة والنقد لها . الإيمان بأهمية الحوار والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والعدل يحفظ البلاد من ويلات العنف والنزاع . فالمرارات تجعل المسافة بين الفريقين طويلة وتجعل من التقارب صعباً والغبن يؤدي للعنف . والحوار والتداول السلمي للسلطة و تقبل الآخر مفردات تؤدي للتعايش السلمي بين الناس وأن لا يفسد إختلاف الرأي للود قضية ويتسع الوطن للجميع فتجد زعيم المعارضة شخصية مقدرة وتتمتع بالمكانة وكثير من الاحترام والتقدير وله أدوار يلعبها ويشارك في كثير من المناسبات والأعياد الوطنية ممثلاً للمعارضة فهو يمثل الضفة الأخرى للنهر لكي يجري النهر منساباً ربما شعرت الحكومة بأن هناك موضوعات تستلزم معالجتها وأخذت ترتب بعض الأشياء ، المعارضة كانت تعيش بيات شتوي فهبت لدنيا الواقع . تغيرت أشياء كثيرة ربما تكون كل هذه التغيرات في صالح السودان الدولة أي في صالح الحوار والاتفاق. كانت الحكومة والمعارضة يعيشان في جذر معزولة عن بعضهما البعض . كانت المعارضة تشكو من عدم الحريات ، وترى أن إخفاقات الحكومة ليس لها حل سوى أن تستقل الحكومة قطار المغادرة الكثير من أهل المعارضة كانوا يرون لا خيار آخر غير إسقاط النظام وبعضهم يرون لأبد من هذا الخيار ولو كان مسلحاً . المعارضة تقول أنها لن تشرب من البحر كما تريد لها الحكومة . ثم كانت أحداث سبتمبر الحكومة قالت أنها مع الاحتجاج السلمي وترفض التخريب حتى العقلاء في المعارضة أدانوا واستنكروا التخريب . تنبع أهمية الحوار من أن البلاد تنتظرها قضايا ساخنة في السلام ومحاربة الفقر والجوع والمرض و التنمية ووقف الحرب التي تدور في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق . تلك الحروب التي تبدأ غالباً بالتفاوت التنموي حسب مزاعم الذين يرفعون السلاح ضد الحكومة ثم تغذيها من بعد عوامل داخلية وقوي خارجية . هل يؤدي الحوار الى تحقيق أهدافه من اتفاق و وفاق هنا ويوقف نزيف الدم هناك والجرائم ضد الإنسان والإنسانية .