المنافسة الاقتصادية الحرة وضمان عدم ممارسة الأنشطة الاحتكارية تعد واحدة من أهم المطلوبات لضمان سوق للمنتجات الوطنية كما أنها واحدة من أهم الاشتراطات التي وضعتها منظمة التجارة العالمية للسودان للانضمام إليها - فهي منظمة عالمية مقرها مدينة جنيف في سويسرا، مهمتها الأساسية هي ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. تضم منظمة التجارة العالمية 159 دولة عضو- ومن ضمن المساعي الوطنية للوفاء بتلك الاشتراطات تحديث البنية التحتية والبحث العلمي وإزالة المعوقات الإدارية والاقتصادية للتحقق المستمر من كفاءة المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية. شرعت البلاد في إجراء العديد من الإجراءات ومن بينها صدور قانون خاص بتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، لكن بالمقابل يشير بعض خبراء الاقتصاد إلى أن الاحتكار مايزال ماثلاً وتتم ممارسته، كما أن انعدام المنافسة والقصور الذي لازم تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي شجع بعض القائمين على أمر التجارة لارتكاب الكثير من التجاوزات بحق المستهلك علاوة على عوامل اقتصادية معقدة تداخلت وعملت لإبقاء الحال على ماهو عليه. نصوص صارمة في العام 2009 أجاز البرلمان القومي قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار ووضع المشرع إجراءات قانونية واضحة وصارمة تحرم الاحتكار، وجاء في الفصل الثاني من القانون حظر إبرام أي اتفاق أو عقد أو أي ترتيبات أو تدابير سواء كانت مكتوبة أو شفاهية أو غيرها بين الأشخاص أو منشآت أو إتيان أي تصرف أو قرار أو مسلك احتكاري فيما يتعلق بعدة أشياء حددها القانون أهمها: خفض أو رفع أو التحكم في سعر بيع أو شراء سلع وخدمات. وتقييد إنتاج السلع وتصنيعها وتوزيعها أو تسويقها أو الحد من الخدمات أو وضع قيود عليها. وقيام منشآت متنافسة أو غير متنافسة بالاتفاق بغرض الضغط على المستهلك أو المورد لإجباره على التصرف بشكل معين. التنسيق فيما بينها بتقديم عطاءات في المناقصات والممارسات وسائر عروض طلب توريد سلع أو تقديم خدمات أو الامتناع عن تقديمها واقتسام ما ينتج عن ذلك من عائد. عن إساءة استخدام الوضع المهيمن أيضاً نجد القانون قد حظر أي شخص من القيام بأي تصرفات أو أعمال يكون بموجبها مركز قوة في سوق معين. وحدد ما يعنيه ذلك عبر عدة ضوابط في حال تجاوزها فإن من يقوم بمخالفتها يعتبر قد أساء استخدام الوضع المهيمن وحدد القانون عقابه وفقاً لأحكام المادة (23) من القانون نفسه. قيام المجلس بتاريخ الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي صدر القرار الجمهوري رقم 312 للعام 2013 بتشكيل مجلس المنافسة ومنع الاحتكارية وأوكل القرار الجمهوري رئاسة اللجنة للبروفيسور أحمد حسن الجاك وعضوية كل من: د. إبراهيم محمد إبراهيم، ود. عبدالله إدريس، ود. حسن عباس حسن، ود. أبوبكر إبراهيم محمد حسين، ود. إبراهيم محمد أحمد دريج، ود. محمد علي يوسف، وعبدالعزيز محمد مبروك. وحدد القانون المشار إليه إنشاء المجلس بسلطات عديدة اأهمها أن للمجلس الحق في طلب المستندات التي يراها ضرورية للنظر في الشكاوى المقدمة إليه واتخاذ الإجراءات اللازمة وطلب المعلومات والبيانات وجمع الاستدلالات عن الأنشطة الاحتكارية الضارة بالمنافسة وذلك متى ما قامت لديه أسباب تحمل اعتقاد بوجود مخالفة لأحكام قانون 2009 الذي منح المجلس أيضًا سلطة تشكيل دوائر أو لجان تحقيق من داخل المجلس أو خارجه بموجب أمر منه للتحقيق في أي مسألة أو شكوى متى ما توفرت قرائن مبدئية على وجود أنشطة ضارة أو مخلة بالمنافسة. مدير عام التجارة بوزارة التجارة الخارجية عبدالعزيز أحمد مبروك – والذي يشغل أيضاً العضو المقرر لمجلس المنافسة ومنع الممارسة الاحتكارية- قال في تعميم تلقت (السوداني) نسخة منه إن المجلس عقد اجتماعه لإجازة ميزانية العام الجاري وأعد لائحة تنظيم عمله وشرع في إقامة حلقات تنويرية لوسائل الإعلام وقام بزيارات ميدانية للولايات لعقد الورش التوعوية وإنشاء قاعدة معلومات علمية متعلقة بالمنافسة وعدم الاحتكار، مشيراً إلى أن المجلس يهدف إلى ترسيخ مفهوم المسؤولية تجاه قانون حماية المنافسة وتوضيح مدى تأثير الأنشطة الاقتصادية والشركات والمستهلك ومجموعات الدعم والإعلام على الاقتصاد والسوق السوداني، لافتاً إلى أن هذا التأثير يساعد على توفير ظروف سوقية عادلة وبيئة تنافسية لكافة الأطراف العاملة في السوق مما يعود بالنفع على المستهلك السوداني. الاحتكار ما يزال وبرغم تلك الخطوات التي أقدمت عليها الدولة إلا أن واقع الممارسة الاقتصادية في هذا المضمار يجعل المواطن والعديد من المؤسسات بعيدين عن تلك الخطوات، واقعياً الاحتكار مايزال قائماً والسلع تباع لعدد محدود من الشركات وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي د. محمد النير الذي قال في تعليقه ل(السوداني) إن قانون منع الاحتكار الذي أقره البرلمان وتمت المصادقة عليه من قبل رئاسة الجمهورية منذ العام 2009 لم يتم تفعيله، ويشير إلى أن الاحتكار محرم شرعاً وممنوع بنص القانون، عازياً المشكلة إلى أن سياسة التحرير الاقتصادي مطبقة بصورة خاطئة تتجلى في ما اسماه بفوضى الأسعار، وعدم امتلاك الدولة لقوائم تحوي تكلفة تصنيع السلع بالداخل، إضافة إلى تكلفة استيراد السلع من الخارج، الأمر الذي قال إنه شجع أصحاب المصانع والمستوردين وتجار الجملة والتجزئة لاستغلال ظروف المستهلك وبيع السلع بالسعر الذي يريدونه. ويؤكد أن العديد من السلع محتكرة وتباع لعدد من الشركات والأفراد ويستدل بسلعتي "السكر والأسمنت" ويؤكد د. الناير من جانب آخر أن انعدام المنافسة مرده لضعف احتياط النقد الأجنبي الذي أدى لتقليل حجم الاستيراد علاوة لترتيب الأولويات الذي جعل المعروض من السلع أحياناً لا يتوافق مع حجم الطلب وهو ما يتسبب في تصاعد الأسعار. يبدو أن مجلس المنافسة ومنع الاحتكارية أمامه العديد من التحديات، لإنفاذ القانون وتطبيقه على أرض الواقع، فالمجلس لابد أن توفر له الدولة كافة المقومات والمعينات التي تمكنه من لعب دوره كاملاً في الفترة القادمة، لكن في ظل شح الموارد والميزانية الموضوعة للمجلس، سيظل السودان محلك سر في هذا الملف.