عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، لم تخل الأفكار من الرغبة في الاستعمار، ولكن جاء مع الحملة مجموعة من علماء فرنسا، وكتبوا كتاب (وصف مصر) الذي وصل الآن إلى 37 كتاباً، ترجم أغلب دائرة المعارف هذه زاهر الشايب، ويسمى كتاب وصف مصر أيضاً مجموعة الملاحظات والأبحاث التي أجريت في مصر أثناء حملة الجيش الفرنسي، وقد طبع هذا السفر مرتين الأولى استغرق العمل فيها 1809-1822م وظهر الجزء الأول عام 1809م وكتب على غلافه أنه طبع بأمر صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون الأكبر، وطبعت باقي الأجزاء بعد سقوط نابليون وكتب على غلافها أنها طبعت بأمر الحكومة، وجاءت الطبعة الثانية في 26 مجلداً حوت ما جاء في تسعة مجلدات الطبعة الأولي، وهناك 11 مجلداً في الطبعة الثانية للوحات والصور والخرائط، والطبعة الثانية بها مقدمة من 90 صفحة بين فيها علماء الثورة الفرنسية ظروف ودواعي هذا السفر الكبير. أما نابليون بونابرت، فقد هبط من السفينة إلى أرض مصر في 2يوليو1798م، وعندما سمع به حاكم مصر المملوكي لماذا يجيء الفرنسيون إلى مصر؟ ليس لديهم شيء يفعلونه هنا، ولكنهم جاءوا وسحقوا قوة المماليك، ويرى بعض المؤرخين أن فرنسا قفزت بمصر قفزة رائعة علمية وثقافية وإجتماعية، وانطلقت بهم مصر إلى العالمية، ولم تأت الحملة ومعها علماء فقط، إنما أيضاً مكتبة، وكان اكتشاف حجر رشيد بداية انفتاح على تاريخ مصر المجيد، ومن الطريف أن وزارة الثقافة المصرية في عام 1998م، احتفلت بمرور قرنين من الزمان على مجيء الحملة الفرنسية على مصر، أما ترجمة زهير الشايب لدائرة معارف فرنسا عن مصر فقد تمت بعد النكسة 1967م وبعد الانتصار 1973م لتؤكد أن تاريخ مصر ليس مجرد دراسات أكاديمية للأكاديميين ولكن تاريخ مصر هو ثقافة أصيلة لكل مثقف وطني تشغله أمور بلاده. ومنذ الجزء الأول لمجلدات وصف مصر جاء الحديث عن الأقباط، ونظراً لأن الكاتب وهو دعي شابرول فرنسي لا يعرف شيئاً عن مصر، فلقد كان كلامه كثيراً ما يبتعد عن الصواب، حتي أن المترجم حذف بعض كلماته التي لا لزوم لها، ولقد كان مهندساً للطرق والكباري، وشيد طريق كورنيش الينل، وهو من مواليد 1773م، وهذا يعني أنه جاء إلى مصر وله خمسة وعشرون ربيعاً، فلقد أدار باريس قبل أن يدير مصر ونجح في كلتا العاصمتين. وكانت القاهرة في عام 1798م تضم ما بين 250-260 ألفاً من السكان، وكان كل سكان مصر 2.4 مليونين وأربعة من عشرة. ويأتي حديث المهندس الفرنسي عن أقباط مصر بأنهم أكثر الطوائف إثارة للاهتمام بين كل سكان مصر، والسبب أنهم يعتبرون أنفسهم أحفاداً للمصريين القدماء، ويرون في لغتهم وتاريخهم ما يؤكد هذا، ولقد كان لهم ملمحاً فيزيقياً شديد القرب من ملمح الفراعنة، لحد يكفي لكي يحملنا على أن ننسب لهم أصلاً يعود إلى الدولة القديمة، ويفترض المؤلف أن جنسهم استطاع أن يظل نقياً بعيداً عن الاختلاط بالأجناس الأخرى وعلى الأخص أهل اليونان، وبالرغم من الغزوات المتتابعة ظل الأقباط منعزلين تماماً عن بقية الأجناس التي تشكل الآن الجزء الأعظم من سكان مصر. ويذكر شابرول رأي كنيسته أن بطرس الرسول باعتباره أكبر الرسل أرسل مرقس إلى مصر للتبشير، ولقد جذبت فصاحته وحماسته العقول على الفور، وأصبح له جمهور من الأتباع، وهكذا تأسست كنيسة الاسكندرية. ويقول المهندس المؤلف إن للأقباط منشآت دينية بالغة الروعة كما نرى في كثير من الكنائس والأديرة الخربة، كما أنشأوا في الصعيد أكبر وأجمل الكنائس ورغم أفول نجم الأقباط، ولكنهم مع هذا بقي لهم جزء من عظمتهم وازدهارهم، ولقد بقي لهم ما يقرب من مائة دير للرهبان، من بينها خمسة أديرة للرهبات، وهناك دير في منفلوط بعد حالة نادرة إذ أنه ينقسم إلى ممشين منفصلين واحد للرجال وآخر للنساء دون أن يكون هناك أي تواصل بينهما. وقد وفق الكاتب في أن يقول أن مهارة الأقباط هي مصدر حياتهم، وأنهم أستطاعوا أن يحتفظوا تحت حكم الأتراك بجزء من العمل الإداري الذي لم يخرج مطلقاً عن أيديهم منذ عصور سحيقة وهو مسك سجلات الضرائب والدخول والملكيات، وأنهم فاهمون لمساحة مصر، ولم يوفق المؤلف عندما قال إنهم لم يكونوا على الدوام في عملهم هذا على درجة كافية من الأمانة والنزاهة، لأن الأقباط كانوا مشهورين بالأمانة، وقد حفظوا مراكزهم بأمانتهم ونزاهتهم. وقال دي شابرول إن الأقباط مساحون، وكتبة وموثقون ومهرة في الصناعات، وقد قاموا بعملية تقسيم التركات العقارية، ولهم أديرة رهبان يعيشون على التبرعات، وهم محبون للصوم أي نساك، وبسطاء في ملابسهم وطعامهم، وهم نباتيون وهذا طبعاً بسبب كثرة الأصوام، ولا يأكلون اللحوم إلا في الأعياد. وكانوا لهم على الأقل حرية العبادة، ولم يستغن الحكام عن خبرتهم. ويرأس الأقباط بطريرك يقف على قمة رجال الدين، ويعد البطريرك له حق الفصل في الخلافات التي تقع بين رعيته، وعندما يختلف الأقباط يلجأون إليه، وعندما يحكم حكماً غالباً ما يوافق عليه قضاة المحاكم المصرية، ويتم اختيار البابا من الرهبان. وفي حديث شابرول عن الكنيسة القبطية يذكر الأصوام، وأسرار الكنيسة، والزواج المبكر 14 سنة للذكور، و12 سنة للإناث، وهو يرى أن الأقباط في الصعيد أكثر رقياً من القاهرة، ويقول إنه لم يشاهد فتاة واحدة في القاهرة تذهب إلى المدرسة مع أن العكس في الصعيد، وأعتقد أن هذا الفرنسي لم يكن يعرف شيئاً عن مدارس البنات التي أسسها البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، وفي الآخر يعترف المؤلف أن معرفته عن الأقباط ضئيلة ولكنه يؤكد أنهم أكثر وأكبر طائفة ذات رسالة مهمة.