في كثير من الأحيان يضطر الإنسان إلى اجترار نهر حكاويه القديمة وكذا جراحاته ، المروع منها والمحفز، وقد كانت لنا أيام في تلك الولاية التي يطوقها النيل الأبيض بين جنباته، غادرتها ضحى بعيد أن نذرت لها شبابي وبذلت ما وسعني من الجهد والعرق وزرعت فيها أجمل زهرات العمر فكان حصادي مُزنا كذوبا، وحزن يعتمل في الدواخل ، على طريقة الفيتوري (فالحزن الأكبر ليس يقال) ،، منذ (9) سنوات وليت وجهي شطر محطة أخرى ، عملاً بقوله تعالى ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ .. (15))، سورة الملك، فضلاً على ذلك (فزامر الحي لا يطرب) تلك الحقيقة المفجعة التي أدركتها تماما ، ومع ذلك تجنبت الانزلاق في منحدرات وصراعات لا تسمن ولا تغني من جوع طيلة تلك السنوات العجاف، وكظمت غيظي في محاولة للترفع بالرغم مما أصابني من ضيم وأذى ، لا لشيء إلا لكره القائمين على أمر الولاية وقتها للنجاح وحشدهم للمتاريس في طريق كل من سطع نجمه وحلق في فضاء عمله ، يبدو أنهم أعضاء أصيلون في (حزب أعداء النجاح) ذلك الحزب الذي بالغ في وصفه وتجريده الأستاذ الكبير حسين خوجلي. تجربتي في النيل الأبيض التي صنعتها بليل الأسى ومر الذكريات ، مضت في حيز الإعلام المسموع منذ نهاية حقبة التسعينيات ليتصل العطاء حتى اليوم بعون الله ، ولقد ظللت طوال تلك الفترة اتسامى وأتغاضى عن التجريح ونسيان المعروف ومحاولة طمس الحقائق التي مارسها ضدي بعض من إعلاميي الولاية دون وجه حق، بالرغم من إداركهم التام لما قمت به وبذلته دون رياء للولاية، والشاهد هو أن بحر أبيض كانت بكماء وصوتها مخنوق بين (اللوزتين) منذ العام (1994) عام قيام الولايات ، لم تكن فيها إذاعة تعتقل الآذان وتعطر المسامع كغيرها من اخواتها من الولايات الأخرى ، كانت الأوضاع مزرية وحزينة عدا تلفاز بائس وكئيب ، بلا روح وبلا فكرة ولا خيال حتى جاءت تباشير العام (1998) ساعة أن أوكل لي الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافي الوالي الأسبق للنيل الابيض أمر تأسيس إذاعة في الولاية، ليتناوب بعده الولاة من الاستاذ بدوي الخير ادريس نائب رئيس مجلس الولايات وحتى الراحل مجذوب يوسف بابكر فعملت ويشهد الله على ذلك ومن بعده كل قيادات الولاية وجل مواطني بحر ابيض , ايام وساعات وشهور قضيتها بلا عربة وبلا منزل، فقط بدافع نبيل ومن أجل غاية أنبل، وهي انشاء جهاز إذاعي يعبر عن نبض الولاية الجميلة السخية ويتلمس هموها وقضايا المتأججة , فكان لنا ما أردنا بعون الله ورعايته ليصدح صوت الولاية أولا عبر موجة اذاعة ودمدني في العام 2000م ومن ثم تستقل بموجتها ( فيا صوتها لما سرى عبر الأثير معطرا) وهنا لابد من أن أذكر للتاريخ الذين أسسوا الاذاعة وعملوا ليل نهار لتشييدها في أبهى صورة وانتقلوا إلى رحاب الله ، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة أمثال الامير عبد الرحمن كمبال وزير المالية الاسبق وحافظ محمد سوار المدير العام لوزارة المالية السابق ومجذوب يوسف بابكر الوالي الاسبق أما من هم احياء بيننا فمتعهم الله بالصحة والعافية الاستاذ ابوطالب الشيخ النور والاستاذ محمد آدم سعيد وزير الشؤون الثقافية السابقين والشيخ عبدالرحمن نور الدين رئيس اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام الحالي, والوالي الاسبق للولاية قامت الإذاعة بالنيل الابيض وخرج صوتها حراً طليقاً ليعم أرجاء النيل الابيض ويتجاوزها للولايات القريبة والبعيدة. قامت ويا للمفاجأة ليخاطب افتتاحها المشير عمر البشير رئيس الجمهورية عبر الهاتف في حدث أدهشنا به حضور الاحتفال بتدشين الاذاعة في زمان فقدت تفاصيله القدرة على الإدهاش ، وانطلقت حمامة بحر أبيض بترتيب دقيق وعمل متقن ,جاءت تشبه انسان الولاية بطيبته واخلاقه ووفائه وتجرده, جاءت تشبه عروسا مخضبة بالحناء ، جاءت مثل طفلة يتوق لها والداها بعد عقم طويل وحالة يأس ، جاءت في زمانها ومكانها فشغلت الناس وآنست وحشتهم ، ودغدغت آذانهم وربطت بينهم برباط الحب المقدس فتجاوبت معها مناطق الولاية من كنانة وجودة والجبلين والشقيق وود جار النبي وابوحبيرة والتبون والجبلين والدويم وشبشة والهلبة وام جر وأضحت مُوحِدة لوجدان الولاية، يتابعها الجميع ليلاً ونهاراً .والكل يجد فيها نفسه وقضيته, إلا أن خفافيش الظلام أعداء النجاح ممن ينتمون للاعلام زوراً وبهتاناً وتمشدقا لا فهما وانتماء, أبت نفسهم الا محاربتها وهم الذين ما توقفوا عن السخرية الاستهزاء والمراهنة على عدم قيامها بالأساس لانهم وقتها كانوا هم ممن يتحكم في اعلام الولاية بجهازهم الكسيح ساعتئذٍ ، ذلك الجهاز الذي انصرف الناس عنه بكلياتهم للاذاعة يصبحون عليها وينامون بعد اغلاقها ...خفافيش الظلام الذين استولوا اليوم على صوت الولاية وصاروا يحدثون الناس عن ما انجزوه في الاذاعة نسوا انهم هم من عادوها وعملوا وقضوا الساعات الطوال على وأدها كعادة اهل الجاهلية في وأد بناتهم ، وحتى لا ترى النور ولكن بعد أن خاب فألهم وحبطت اعمالهم.ما فترت همتهم فظلوا يمارسون سياسة (الحفر) ووغر صدور المسئولين حتى نجحوا في مسعاهم ومخططهم واقبلوا بعضهم على بعضهم يهنئون انفسهم بنجاح مخططهم.. وازاحة من بنى لبحر ابيض اذاعة شامخة من بين فرث ودم...بناها بلا من ولا أذى على اهلي الطيبين ,بناها بالدماء والدموع والعرق.ليأتي هولاء ويحتفلون في شهر مايو الماضي بعيد اذاعتهم على حد زعمهم التاسع وتأبى أنفسهم المريضة عدم دعوة الرجل الذي نحت في الصخر بيتاً ونفخ فيه من دمه وأحلامه ليأتوا هم ويركبوا العربات الفارهة ويسكنوا البيوت الانيقة ويؤسسوا المكاتب الوثيرة, وما دروا أن الاذاعة انطلقت قبيل أربعة عشر عاما من محطة اذاعة ودمدني في العام 2000 والحبيب عبود سيف الدين مدير اذاعة ودمدني السابق, والقائم الآن على أمر اذاعة (هوى السودان) لازال حياً يرزق بيننا' والمهندس صلاح طه اسماعيل مدير الاذاعات الولائية السابق كذلك لا زال شاهدا على ذلك العصر وجزى الله الشدائد كل خير وجزى الله والي النيل الابيض يوسف أحمد نور الشنبلي الذي خاطب ما سمي بعيد الاذاعة الأخير مذكرا الناس وادعياء البطولات في الاحتفال المصنوع, ذكر بجهدنا وما قمنا به , في الوقت الذي حاول فيه من يتمشدقون بإعلام بحر ابيض الآن أن يطمسوا اسمنا ويمحوا جهدنا من سجلات الإذاعة , ولكن قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد, أقول ونحن على اعتاب مؤتمر الاعلام الثاني الذي تدور ورشه وفعاليته هذه الايام ,ان لابد من عودة قبضة المركز والاذاعة القومية على وجه الخصوص على الاذاعات الولائية لا دعوة لان يمارس المركز قبضته الاعلامية على الولايات ولكن منعا لتمدد بعض المتنطعين وادعياء الاعلام والذين جعلوا من المحطات الاذاعية (بيوتات) خاصة لهم ولأهلهم، فبعد أن كانت الاذاعة لجميع اهل الولاية ,معيارها الاتقان والتجويد, صارت اذاعة لمنطقة واحدة، جل عامليها من تلك المنطقة.المعيار فيها الانتماء والقرابة لمنطقة القائد دون غيره.وبعد أن كانت تسمع في جميع المناطق صارت لا تسمع في كوستيالمدينة التي احتضنتها دعك من ربك والجبلين المدينتين القريبتين وليعلم أصحاب البطولات الزائفة أن الانترنت والبث عبره ودخول الاذاعة للفضاء الاسفيري صار من أسهل الاشياء والمهام, ولكن هل هذا هو المعيار ؟ كم عدد من يتابعون الآن الاذاعة وأين روابط مستمعيها ؟وكيف تعمل محطتها وكم تبلغ قوتها الآن مقارنة بوقت استلامها قبل تسعة اعوام وبماذا تعمل؟؟ إنها الأسئلة الحائرة المحتارة. اني أحمد الله أن غادرت بحر ابيض خالي الوفاض لم أقتن منزلا أو أصبح من اصحاب المزرعة والمزرعتين( ناس عيشها زين مصنع مصنعين).كما فعل من أضاعوا رسالة الاذاعة وأمانتها وصاروا يمشون بين الناس يحدثونهم عن بطولات زائفة وتاريخ مصنوع وانجازات عملوا ذات يوم على هدمها وايقافها ليستدير الزمان وتصبح اليوم ملكا لهم يريدون من الناس أن ينسبوها لانفسهم ، فيا للعار . لقد خرجت من بحر أبيض وفي النفس شيء من حتى , "فَما زادَني الإِقتارُ مِنهُم تَقَرُّباً وَلا زادَني فَضلُ الغِنى مِنهُم بُعدا" فغيري كرمه من يعرف قدره غير المعروف رغم انه لم يقدم ما قدمت وبذلت وعملت وأسست وشيدت ودونكم اذاعات ولايات كسلا والقضارف والبحر الاحمر والجزيرة ونهر النيل وجنوب كردفان والشمالية وشمال كردفان ودارفور وغيرها في الوقت الذي ابت فيه الانفس المريضة مجرد ذكر اسمي دعك من تكريمي ,أما انا فيكفيني حب أهل بحر ابيض وتواصل مستمعيها معي إلى اليوم رغم تطاول السنين والايام. أما جزائي فاسأل الله أن يدخره لي في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون وأن لا يكون هو جزاء سنمار الذي بنى لملك الحيرة قصراً لا مثيل له في الكون ، فقتله النعمان ملك الحيرة حتى لا يبني لأحد مثله .. وأقول لاصحاب الادعاء الكذوب الايام بيننا سيأتي يوم يُكشف فيه ادعاءاتكم وهرطقاتكم وسيأتي من يعيد الامور إلى نصابها,, ووقتها لن تحميكم قبيلة, كما حمتكم من قبل وذهبت تشكو من استهداف ابنائها ولن يتصدي لازاحتكم (كابتن) من (كباتن) بحر أبيض بدعوى حق اريد بها باطل كما فعلوا يومها...بل ستعلمون انه لا يصح الا الصحيح وسيعود الحق يوما إلى أهله (الحق أبلج والباطل لجلج) ، وما أنا في النهاية إلا رجل يكافأ غدراً بوفاء ولكنني أتسامى تماماً كما المقنع الكندي "فَإِن أكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم وَإِن هدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا)