مشكلة الفشقة ليست من المشكلات التى تمخضت عنها التغيرات الجيوسياسة الجديدة وإنما ترجع إلى العام 1957 م حين بدأ المزارعون الاثيوبيون يتوغلون ويتغولون على اراضي الفشقة كما ذكرنا في الجزء الاول من هذا المقال . في مايو 1994م كانت هنالك مفاوضات مضنية بين الجانبين السوداني والإثيوبي وهي مفاوضات محلية على مستوى ولاية القضارف ومنطقة التقراي الإثيوبية ومن اهم بنود تلك الاتفاقية : تكوين لجنة عليا من الطرفين للتعرف على أرض النزاع على الطبيعة ومراجعة حيازات الطرفين من المزارعين والتأكد من أحقية المزارع بحكم المدة التي يمارس فيها الزراعة ومعرفة الآخرين له كمزارع بالمنطقة و تحديد المساحات المتنازع عليها وتوزيعها بين الطرفين بواسطة لجان تسوية تشكل من الطرفين. قامت اللجنة المشتركة بتحديد المساحة والتي تبلغ حوالي 42 ألف فدان بمناطق اللكدي وكان يستثمرها 32 مزارعا سودانيا وتعرفت اللجنة على 16 مزارعا إثيوبيا كانوا يمارسون الزراعة في هذه المنطقة وتم تسليمهم مشاريع زراعية، طالب أعضاء اللجنة الإثيوبية تسليمهم مشاريع لسبعة مزارعين وردت أسماؤهم ولم يمثلوا أمام اللجنة لتتعرف عليهم، اعترض الأعضاء السودانيون وقرروا رفع الأمر للجنة العليا، وحددت اللجنة ايضا مساحة المشاريع في كيلو 15 ب 55 ألف فدان منها 31 ألف فدان مستثمر بواسطة مزارعين سودانيين منذ عام 1989م ولكن ادعى الجانب الاثيوبي أن كل اراضي الكيلو 15 تتبع للإثيوبيين مما ادى إلى عدم التوافق بين الجانبين، كما حددت اللجنة 25 الف فدان اخرى يستثمرها 18 مزارعا سودانيا منذ العام 1974م . اجتمعت اللجنة العليا لنزاعات الحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا بأديس أبابا بتاريخ 20 يوليو 1994م لمناقشة التطورات الأخيرة على الحدود ومراجعة ما توصلت إليه اللجان الفرعية المكونة لأغراض التسوية الزراعية والغابات وكانت أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها هي التأمين على قرار لجنة الزراعة الفرعية الخاص بتوزيع المشاريع في المناطق المتنازع عليها بنسبة ثلاثة للإثيوبيين إلى واحد للسودانيين (تظهر هنا المفارقات ) و الموافقة على تطبيق قانون الغابات المقترح من الجانب الإثيوبي و عدم تدخل القوات المسلحة من الجانبين السوداني والإثيوبي في النزاعات بين المزارعين وعدم تحرك القوات داخل المزارع . وبعدها تدهورت العلاقات بين البلدين ما يقارب الثلاث سنوات حتى زار الرئيس عمر البشير اثيوبيا في يناير 1998، لمواصلة وتكملة تطور العلاقات بين البلدين. يذكر أن التوجه الجديد لاثيوبيا بتطبيع علاقاتها مع السودان يجيء بعد الحرب الاثيوبية الارترية، وبعد أن اصبحت اثيوبيا دولة حبيسة تبحث عن منفذ بحري لصادراتها ووارداتها الاساسية، وقد شهدت عاصمتا الدولتين زيارات متبادلة بين القيادات السياسية والتنفيذية والفنية وظهر هذا التحسن في العلاقات الاقتصادية بصورة اكثر وضوحا فالفترة من عام 2001 وحتى الآن حيث تمت العديد من الاجتماعات للجان الوزارية المشتركة ولكن دون حل جذري وتنفيذ ترسيم الحدود. وفي منحى آخر أوضح د. عبد الرحمن الخضر والي ولاية القضارف في يونيو 2003م أنه بعد مفاوضات طويلة صدرت توجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي بإنهاء النزاع وعودة الأراضي لملاكها في الجانب السوداني. ولكن يبدو أن اطماع المزارعين الاثيوبيين ونفوذهم ادت إلى عدم تنفيذ توجيهات الرئيس الاثيوبي بالكامل . اذا نظرنا إلى قطاع الزراعة المطرية في السودان نجده ذلك الشروط الحدودي بين دولتي السودان وهو عبارة عن حزام يقسم النيل الازرق إلى نصفين ويمر بجنوب النيل الابيض ويمر بين شمال وجنوب كردفان وشمال وجنوب دارفور، وهذا الحزام يشهد نوعا من عدم الاستقرار والنزاعات بسبب التغيرات الجيوسياسية بعد انفصال الجنوب، ولذلك نحن الآن في امس الحاجة إلى اراضي الفشقة السودانية ولا سيما انها تمتاز بخصوبة عالية وإنتاج متميز . نجد أن السودان سعى لحل قضايا الحدود بكل هدو تفاديا للتدخل العسكري والمسلح والمحافظة على اواصر العلاقة بين البلدين إلا أن طمع المزارعين الاثيوبيين نلمس فيه شيء من الاستغلال للموقف بالرغم من اعتراف الحكومة الاثيوبية بسودانية اراضي الفشقة، ومن ناحية اخرى أن الحكومة الاثيوبية في اطار سعيها لجذب الاستثمار والبحث عن موارد اضافية لمواطنيها ومزارعيها لا اعتقد انها تضغط على مزارعيها لينسحبوا من اراضي الفشقة السودانية بكل سهولة، وتغض النظر عن ممارسات المزارعين الاثيوبيين الذين قادهم طمعهم لإيجار ما تبقى من اراضي المزارعين السودانيين في منطقة الفشقة بل وإغرائهم بدفع مبالغ طائلة مقابل الايجار. فهنا لابد لنا أن نذكر التواجد الكثيف للمواطنيين الاثيوبيين في الحدود المشتركة بين الدولتين بالقرب من الفشقة مع عدم وجود كثيف لمواطنين سودانيين في هذه المناطق الحدودية، مع العلم بعدم وجود أي حدود طبيعية تفصل الحدود بين البلدين، كل هذه العوامل ساعدت على التوغل إلى داخل الاراضي السودانية، وهكذا تكون مشكلة الفشقة قصة ارض لم تنته بعد. ولذلك كان ينبغي أن يوطن المتأثرون من سدي اعالى نهر عطبرة وستيت في منطقة مشاريع الفشقة وان تخصص لهم جزء من الاراضي الزراعية لتكون محفزة للاستقرار بالإضافة إلى وجود الخدمات الاساسية التى تعزز وتحفز عملية الاستقرار في هذه المنطقة لكي لا تكون معزولة وخالية من السكان كي لا تغتصب بالكامل ومن ناحية اخرى تكون عوضاً عن المناطق المتأثرة بالسد. ولتنتهي تلك المسألة لابد من تدخل مباشر من الحكومتين لطالما أن اراضي الفشقة اراض سودانية باعتراف الجانب الاثيوبي، وليست المطلوب هنا ترسيم الحدود ولكن المطلوب تنفيذ ترسيم الحدود، ليأخذ كل ذي حق حقه، ومن الافضل بعد تنفيذ ترسيم الحدود أن تسلم تلك المشاريع للهيئة الاقتصادية الوطنية التابعة لوزارة الدفاع لحراثة الارض وحراسة الحدود مع الاحتفاظ بحميمية العلاقة بين البلدين وتجنب أي نزاع في المستقبل من شأنه أن يكون خميرة عكننة تفسد العلاقة بين البلدين، مع ضرورة تكوين قوات اثيوبية سودانية مشتركة لحماية ومراقبة الحدود بين الدولتين وحماية حقوق مواطني البلدين من تفلتات المليشيات ومن أي تحديات امنية اخرى مرتقبة تواجه شعب وحكومة البلدين .(لنا لقاء بمشيئة الله ) هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته عبدالرحمن ابوالقاسم محمد