يمر محصول القطن بمرحلة مهمة جدا في بلادنا فقد رد الله غربته بعد طول غياب. ولو قارنا الإنجاز بالظروف التي مرت بها عملية العودة من الألف للياء. ولو تذكرون المحصول السابق والمديونية الضخمة التي لم يف بها المزارعون لعدم وجود علاقة تعاقدية بين شركة الأقطان والمنتجين وكيف أن تأسيس العلاقة التعاقدية كان أمرا صعبا وواجه حملات صحفية شرسة وصفت العقد بأنه عقد إذعان وادعت – بغير دليل - أن هذا هو رأي النائب الأول لرئيس الجمهورية ثم تراجعت بعد جدل كثيف إلى وصفه ب (المعيب) فقط. كانت أيام صعبة والتوقعات فيها غير متفائلة ولكن إقبال المزارعين على القطن واللوزات البيضاء الناصعة هزم التشاؤم وصار هنالك (رقم صعب) من العملات الصعبة يمكن أن نبني عليه الخطط المرحلية والاستشرافية. باختصار فتحنا فصلا في الميزانية اسمه (حساب القطن). ولذلك هنالك أرقام أخرى أتمنى أن تطالعنا الجهات المعنية وعلى رأسها شركة الأقطان ... عن (الزيوت) و (العلف الأخضر) و (الأومباز) و (الأيدي العاملة) و غير ذلك. هذه الأرقام مهمة جدا في التحليل الاقتصادي والنظرة الكلية. ما أعتقد أنه (واجب الوقت) هو سد الفجوة الماثلة في الصناعة التحويلية في قطاع الغزل وهذا ما تحدثنا عنه من قبل في مقال (نظرة لقطاع الغزل يا سيدي الرئيس). ولمزيد من المعلومات فإن خبراء الاقتصاد يعتبرون دخول المنتج كل مرة في صناعة تحويلية فإنه يعني مضاعفة العائد الاقتصادي منه وذلك لأن الحسابات تشمل المنتجات الجانبية وفرص العمل والنقل والترحيل وما يضاف للاقتصاد الوطني من (ميزة إئتمانية) هذا غير سمعة الصناعات السودانية وما يتحقق من تراكم الخبرة فيها، ولذلك عندما نتحدث عن مبيعات قطن هذا العام (شعرة) بعد مرحلة الحلج 300 مليون دولار، فإن الرقم سيكون 600 مليون دولار لو تم غزل القطن في السودان، و900 مليون دولار لو تم النسيج كله في السودان. والذي يحدث الآن أن جل إنتاج السودان يتم تصديره خاما لتستورده مصانع النسيج غزولا جاهزة من خارج السودان. لاحظ أن مصانع النسيج السوداني تستورد الخيوط الصناعية والتي لو تم إنشاء مصانع بتروكيماويات لوفرت علينا العملات الصعبة المتسربة بسبب الاسترداد وهذا موضوع آخر. الصناعات التحويلية (من مرحلة إلى أخرى) هي مسئولية وزارة الصناعة وليس وزارة الزراعة أو شركة الأقطان أو أي ممول آخر في مجال القطن لكن الواقع يشهد بأن مصنع غزل الحاج عبد الله لم يدخل هذا الموسم ولو كان قد دخل لكان الحديث عن (تذبذب سعر القطن) والجدل عن السعر التركيزي شبه لاغ، لأن مرحلة الصناعة التحويلية تغطي فارق النقصان في السعر العالمي. المنطق يلزمنا إذا بالتفكير في قرارات استثنائية وبراغماتية ولذلك أرى من الضروري أيلولة عدد من مصانع الغزل للشركة السودانية للأقطان لأن ما ظهر من أدائها في الموسم السابق أوضح تماما أنها اجتهدت بينما قصّر الآخرون فإدارة مشروع الجزيرة مسئولة عن تأخير التحضير، وإدخال محفظة البنوك كوسيط (مناولة) للتمويل بين بنك السودان والشركة التي يملكها المزارعون كان من أسباب تأخير كل العمليات الزراعية. نريد أيلولة مصانع الغزل للشركة للأننا نريد (عملات صعبة) ... هكذا باختصار ..!