من البديهي أن يشمئز الإنسان من منظر النفايات ورائحتها النتنة في الأسواق والطرقات العامة وأماكن وجودها قرب المنازل وداخل المستشفيات، وخصوصا في فصل الخريف عندما تمتزج مياه الأمطار الراكدة بالنفايات وتكون مرتعا للبعوض وللجراثيم والحشرات ومستنقعا للأوساخ؛ ففطرة الإنسان جبلته على عدم التعايش أو العيش في بيئة قذرة، ولكن أحيانا يتعود الناس على هذه المناظر ونتانة البيئة فيتعايشون معها وهذا يقودنا إلى بما يعرف بالتكييف الحسي وهو أن تعتاد أحاسيسنا على مشهد أو رائحة معينة حتى نصل إلى مرحلة نتعود على رائحة ما لكثرة ترددها باستمرار على حاسة الشم وكذلك البصر فننظر إلى هذه النفايات المتراكمة ونشتم رائحتها بشيء من عدم الغرابة (يعني أتعودنا عليها؟). وحتما أنها حالة مرضية بسبب استسلامنا لواقع من السهل جدا أن نغيره، فليس من الصعب أن نقوم بحملات نظافة دورية ونناشد الحكومة من تارة لأخرى بالاهتمام بالنظافة بشرط أن نكون نحن ملتزمين وعلى استعداد لأن يتكامل دورنا مع الدور الرسمي، بدلاً من أن ننتظر فقط الدور الرسمي ولا نبادر، فكثير من الأحيان يكون المواطن نفسه سببا في تردي البيئة وسببا في تراكم النفايات، فينبغي أن يكون للمواطن دور إيجابي حتى وإن كانت الحكومة مقصرة (وإخفاقها في هذا المجال لا تخطئه العين)، فبدلا من أن يلعن المواطن الظلام عليه أن يضيء شمعة ويبادر بالنظافة وبالتعامل بصورة مقبولة مع النفايات. فيما يتعلق ببيوت تقديم الخدمات كالكافتيريات والمستشفيات، ينبغي أن يكون التخلص من النفايات من الأولويات، خصوصا تلك النفايات الطبية وما يترتب عليها من أضرار. ونشير هنا للمجهود المقدر الذي تمخض عنه إنشاء مصنع للتخلص من النفايات الطبية وإعادة تدويرها، ونتمنى أن تعمم التجربة وتستمر وتزدهر من خلال وضع خطط وصياغة أهداف واضحة وإنشاء إدارات بعيدا عن الترهل الإداري تعنى بالتخلص من النفايات وإعادة تدويرها. فعملية التخلص من النفايات هي عملية ثقافة تلعب فيها التوعية والتثقيف دورا مهماً، وذلك من خلال تعريف المواطن بخطر تلك النفايات على صحته وكيفية التخلص منها بصورة أمنة، وينبغي أن يكون لمنظمات المجتمع المدني وجمعية حماية المستهلك أيضا دور فعال في خلق بيئة صحية سليمة خالية من الأمراض. فمسؤولية التخلص من النفايات تعتبر مسؤولية الجميع وليست مسؤولية الدولة فقط ولكن لإمكانيات الدولة اللوجستية والمادية تقع على عاتقها المسؤولية الأكبر. من المعروف أن تراكم النفايات بكل أنواعها له آثاره الضارة على صحة البيئة، فحتى التخلص من النفايات بالحرق له أثره الضار بالبيئة، فإذا قسمنا النفايات إلى نفايات عضوية وطبية وبلاستيكية ومعدنية وورقية وأنقاض مباني وأخرى إلكترونية نجد أن كل نوع من هذه النفايات له أثره علي البيئة، فعلى سبيل المثال دلت الأبحاث العلمية على أن المواد البلاستيكية تتسبب في حدوث عدد كبير من المشكلات الصحية على الكائنات الحية. ويعزى هذا الخطر إلى مكوناتها الأساسية وإلى المواد المضافة إليها أثناء عملية التصنيع والتشكيل، ومن أهم تلك المواد المضافة المحسنات الكيميائية التي تكسبها القساوة المطلوبة أو المرونة أو اللون أو تجعلها مقاومة لتأثيرات الضوء والحرارة، أضف إلى ذلك أن التخلص من المواد البلاستيكية بالطرق التقليدية كالحرق والطمر وما ينجم عنه من انبعاث لعدد كبير من الغازات والمواد ألسامة وفي مقدمتها الديوكسينات، مما يؤثر بشكل مباشر على الكائنات الحية والأحياء المائية, فلمادة الدايكسين أضرار بالغة بصحة الإنسان والبيئة، وتتولد هذه المادة من توفر المواد والظروف الملائمة مثل الحرق المفتوح للنفايات وحرق النفايات المنزلية ومن خلال انبعاث دقائقها في الأجواء وانتشارها في الهواء ومن ثم تصل إلى الأرض بوسائل عديدة منها الرياح والأمطار والغبار حيث تتجمع على سطح الأشجار والنباتات ومن ثم تدخل إلى السلسلة الغذائية للإنسان والحيوان. توصلت الأبحاث إلى أن مادة الدايكوسين تصل إلى الأجسام عن طريقي الطعام والتنفس ويكون تسلسل كميتها في أنواع الطعام منها لحوم البقر ومنتجات الحليب ومشتقاته ولحم الدجاج والبيض والأسماك وهذه تشكل نسبة 97.5 % من كمية مصادرها الداخلة في الأجسام حيث تتجمع في الأنسجة الدهنية والشحمية وتذوب فيها فتعتبر تلك المادة سببا في مرض السرطان العضال، فهذا يقودنا أيضا إلى خطورة استخدام الأكياس البلاستيكية كحامل للطعام والشراب الساخن (الفول واللبن الأطعمة الأخرى على سبيل المثال), فمادة البلاستيك ليست مادة خاملة فتفاعلها ينتج عنه بعض المركبات ذات الأثر السلبي البالغ على صحة الإنسان كالدايكوسين، ولذلك لا بد من توخي الحذر عند استخدامنا لتلك الأكياس البلاستيكية ويفضل البحث عن بديل أمن يحل محل تلك الجيوب البلاستيكية الضارة، ومن ناحية أخرى نجد أن التخلص من النفايات البلاستيكية بحرقها له أثره الضار على صحة الإنسان والبيئة أكثر من الضرر الناجم عن تراكم تلك النفايات في مكباتها. ولذلك لا بد من تدوير النفايات للتخلص منها بصورة آمنة من جهة والاستفادة منها بعد تدويرها من جهة أخرى. فهنالك دول عديدة انتهجت تدوير النفايات للاستفادة منها والتخلص منها بطريقة أمنة، فنجد أن هنالك خططا وُضعت على مستوى واسع لفصل القمامة وتدويرها أو تحويلها إلى سماد في معظم المدن الأوربية، أما في المستقبل فإن من المتوقع أن نصف القمامة ستتحول إلى وقود سائل أو وقود غازي. إن استخلاص الطاقة من القمامة الصلبة هو خيار مشجع للمدن الكبيرة، وذلك لقلة المساحات المخصصة للردم والكلفة العالية لنقل القمامة. هذا فضلاً عن التخلص من النفايات في حد ذاتها. فإن عملية تدوير النفايات وحرقها في محارق بالصورة الآمنة لها مخرجاتها، ولإمارة دبي تجربة في هذا المجال فنجد أن الإمارة قد أطلقت أول مشروع من نوعه في المنطقة يتم من خلاله الاستفادة من الغازات المستخرجة من النفايات بتحويلها إلى طاقة كهربائية نظيفة. أما إذا نظرنا إلى الكم الهائل من الورق الذي يشكل نسبة كبيرة من النفايات، فنجد في إعادة تدويره فائدة ملموسة، فإن تصنيع الورق هو سلسلة من العمليات التي تحول الورق المستعمل إلى مواد جديدة قابلة للاستعمال مجددا، وإن حاجة الإنسان الزائدة للورق والمطاط والبلاستيك أدت إلى ابتكار طرق لتغطية النقص من تلك المواد بالإضافة إلى التخلص من القمامة. بناءً على ما ذكرناه يتضح لنا جليا أن المواطن هو شريك أساسي في عملية التخلص من النفايات وتجنب أضرارها والاستفادة منها بعد تدويرها، وعلى الدولة أن تسعى إلى إعادة تدوير النفايات بعد التخلص منها بصورة آمنة للفائدة القصوى ولتتغير نظرتنا التقليدية إلى النفايات بأنها مصدر قلق وإزعاج ومبعث روائح نتنة ومكمن أمراض وبؤر قذارة، فهي ذات فائدة إذا تكامل الدور الشعبي مع الرسمي متسلحاً بالمنهجية العلمية ودور البحث العلمي المنظم لحل مشكلة النفايات والتخلص منها في الوقت المناسب. (لنا لقاء بمشيئة الله) عبد الرحمن أبو القاسم محمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته