(1) هبطت من القطار وتوجهت رأساً إلى منتجع باقشوت حيث الدكتور تيسير. وجدته يجادل أحد الأطباء حول برنامجه العلاجي. نظرت في الصالون فانتبهت إلى وجود شاب صغير ووسيم. نظرت إليه وقلت: "هاللو". رد الشاب: "أهلاً". بعد دقائق قليلة كانت بحوزتي كومة كبيرة من المعلومات عن هذا الشاب الوثّاب. مثلاً: اسمه الكامل محمد مجدي حسن داؤود. يدرس إدارة الأعمال والتسويق بجامعة نوتنغهام في بريطانيا. ومن ذلك أيضاً أنه مشجع خطير لنادي آرسنال الإنجليزي. قلت له: "تعرف يا محمد، ليك حق تشجع الآرسنال فأنت تشبه ثيو والكوت لاعب الآرسنال الشهير شبهاً شديداً، لكأنك هو نفسه الخالق الناطق". أعجبته ملاحظتي بطبيعة الحال. وقفت كثيراً عند إجابات هذا الشاب على أسئلتي الأخرى. أكثر ما لفتني في شخصيته أنه يملك ذلك الشيء الذي يسميه الفرنجة (Sense of purpose)، وتعني معرفة الهدف والسعي المنتظم باتجاهه. وهذا السنس اوف بيربوس هو في العادة أول ما أحاول استشكافه في صغار السن الذين أتحدث إليهم. قال لي محمد إن مثله الأعلى هو رجل الأعمال أسامة داؤود عبد اللطيف، وإنه على دربه. وحكى لي أنه حظي بلقائه مباشرة، وتعرف على شخصيته عن قرب، واكتشف أنه رجل مدهش، وانبهر بتواضعه وفرادته وتميزه وحيويته في ذات الوقت. ثم أنه ناقش معه عدداً من الأفكار الاقتصادية والاستثمارية الكبرى فأذهلته قدرات أسامة على تقليب الأفكار وتطويعها وإخضاعها لقاعدة معلوماته الضاربة بأسلوب منهجي ومنظم وخلاق. ثم أضاف بإنجليزيته ذات اللكنة البريطانية: (He is my role model). تمنيت لمحمد كل توفيق، وقلت له إنني أكاد أرى له بظهر الغيب نجاحات مشرقة في عوالم المشروعات التي يفكر في إنجازها عند عودته إلى السودان، وليس على الله بعزيز أن يجعل منه أسامة داؤود الثاني. (2) غادرت المنتجع مبكراً للوفاء بموعد مسبق مع الأستاذ صديق محمد عثمان مدير مكتب حزب المؤتمر الشعبي في لندن. وتجدني دائماً، أعزك الله، أعمل لهذا الحبيب ألف حساب. صدّيق شخصية خطيرة. أنا نفسي أخاف منه. شيء عجيب أن تبدأ يومك مع شاب وديع مثل محمد مجدي، ثم تستأنفه مع رجل داهية مثل هذا الكوز. مصادر معلوماتي الخاصة تقول إن صديق، وهو في الأصل رجل قانون تخرج في جامعة الخرطوم، واحد من الكوادر الإسلاموية المدنية-العسكرية التي قامت بتنفيذ انقلاب 1989، وإنه، عقب الانقلاب، كان أحد المنسقين بين الشيخ حسن الترابي، الذي قبع وقتها في السجن حبيساً، والأستاذ علي عثمان محمد طه، القائد التنفيذي الفعلي خارج السجن. وهو في الأصل أحد المشاركين في تأسيس الجبهة الإسلامية القومية عامي 1985 و1986. قضى أغلب سنواته في مكتب الشيخ الترابي والشيخ علي عثمان. صديق معتاد على أجواء القيادات، وقد اصطحب الشيخين في عدد كبير من الرحلات الخارجية شملت أغلب بلدان العالم. كما أنه شارك في تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في التسعينيات، وكان مشاركاً في أغلب مفاوضات حزبه مع التجمع الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان عهدذاك. رأيت صديق يقدل في شوارع لندن بسيارة نيسان (SUV) ضخمة ذات دفع رباعي موديل 2015، لم أر في بريطانيا من يقودها سوى الأمير تشارلس. البريطانيون عن بكرة أبيهم يقودون سيارات صغيرة جدا تشبه البيضة، هي في الغالب الحجم الأكثر صغراً في موديلات السيارات الأوربية واليابانية. سألته إن كان المؤتمر الشعبي هو الذي اشترى له سيارته تلك، أم سفارة البحرين، حيث يعمل مستشاراً إعلامياً. ضحك ولم يجبني! سألته عن سبب ظهوره المتكرر في المحافل اللندنية الخاصة والعامة بصحبة المتمرد الدكتور جبريل إبراهيم، فضحك ولم يجبني! سألته عن السنوات التي قضاها في جنوب أفريقيا في التسعينيات. هل صحيح أنه كان هناك مستثمراً لأموال الحركة الإسلامية كما يزعم البعض، فلم يضحك هذه المرة، وأجاب بالنفي. سألته عن ما تردد عن اتهامه بالتورط في صفقات أسلحة تخص حركة العدل والمساواة، فلم يضحك أيضاً، وأجابني بأنه لم تكن له صلة بأية صفقات أسلحة. تذكرت عندها البيت الأخير من قصيدة مايا لنزار قباني: (وأنا أصدق كل ما قال النبيذ / وربع ما قالته مايا). مع أنني في واقع الأمر صدقت كثيراً مما قاله لي الرجل، فهو صديق ومصدق.. في غالب الأمر! ثم أنه لم يكن هناك، والحق يُقال، أي نبيذ على مائدة هذا الحبيب العامرة أبداً بإذن الله. وإنما مشروب إيراني أبيض اللون، له طعم الشربوت، عرفت أنه المشروب المفضل عنده! مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته