والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون الشركات الجديد لم يخرج من عباءة القديم !
نشر في السوداني يوم 05 - 07 - 2015

قبل أشهر صدر قانون الشركات الجديد لعام 2015 في السودان واصدار قانون جديد للشركات، في حد ذاته، يعتبر عملا كبيرا ومهما لتقنين وضع الشركات في السودان لدفعها لتتبوأ وضعها الطبيعي في ريادة الاقتصاد لدعم المجتمع الذي تأسست لخدمته. وكما هو معلوم، كانت هناك عدة محاولات لتعديل قانون الشركات السوداني لعام 1925 ولكنها ظلت مجرد محاولات والقانون الذي صدر في 2015 يعتبر محاولة جادة وعملية لإحداث وضع تشريعي جديد. وهذه خطوة مهمة.
بصفة عامة، نقول، ان الغرض العام من قانون الشركات يتمحور في المساهمة في تطوير بيئة الأعمال ودعم قدرات ومكانة الدولة الاقتصادية والعمل على تنظيم الشركات طبقا للمتغيرات الاقليمية والعالمية، وبصفة خاصة ما يتعلق منها بتنظيم قواعد حوكمة الشركات وحماية حقوق المساهمين والشركاء وأصحاب العلاقة المرتبطة كالمستهلكين، إضافة لدعم تدفق الاستثمارات المحلية والاجنبية مع تعزيز المسئولية المجتمعية للشركات. كما يسهم القانون في تعزيز دور الشركات من أجل مساندة التنوع الاقتصادي، ولتمكين الشركات (والقطاع الخاص) لتحتل المكانة المتميزة في تنفيذ الاستراتيجية التنموية نظرا للدور المهم والحيوي للشركات في تعزيز مسيرة التنمية المستدامة التي تتطلع لها الدول وتعمل من أجلها. وفي هذا الاطار يجب أن تخرج قوانين الشركات الحديثة.
وبقراءة سريعة لقانون الشركات "الجديد" لعام 2015، نرى أنه لم يخرج من عباءة قانون الشركات "القديم" لعام 1925 لأنه وكما يبدو فإن القانون الجديد حصر نفسه وركز بصفة أساسية على الأحكام والفقرات المذكورة في قانون 1925 ثم قام بإجراء بعض التعديلات عليها أو الاضافات المتماشية مع التعديلات. ولهذا نقول إنه لم يخرج من عباءة القانون القديم، لأن القانون الجديد لم يتضمن العديد من الأحكام المهمة الجديدة التي تتمحور حولها قوانين الشركات الحديثة التي صدرت في الآونة الأخيرة في العديد من الدول لتقنين أعمال الشركات وفق أسس حديثة وبما يضمن انسياب عمل الشركات بصورة مؤسسية تركز على خدمة المجتمع والمستهلك مع تحقيق الرفاهية لجميع القطاعات المرتبطة بالشركات.
تتناول قوانين الشركات الحديثة الاشارة للأحكام الحديثة الخاصة بما يعرف ب "حوكمة الشركات– كوربوريت قفرننس" وتأطير الأهداف العامة لحوكمة الشركات وكيفية تنفيذها وما يتبع ذلك من الالتزام بمبادئ الحوكمة أم عدم الالتزام وما يترتب على ذلك. وحوكمة الشركات الآن تعتبر من أهم ركائز العمل المؤسسي خاصة لأنها تضمن عمل الشركات ومجالس الادارات في ظل شفافية تامة وافصاح كامل لكل ما هو مرتبط بالشركة مع تحمل كل المسئولية والمساءلة "أكاونت أبلتي" عن كل ما يتم وما لم يتم ولماذا ومتي وكيف؟ مبادئ حوكمة الشركات لم تكن موجودة في قانون 1925 بسبب أنها لم تكن معروفة في ذلك الوقت، ولكنها الآن "حية ترزق" وتعتبر من أهم المبادئ الحاكمة لمؤسسية عمل الشركات، وعليه كان من المتوقع أن يتم تقنين "الحوكمة" وأن تتم الاشارة لها بصورة واضحة في قانون الشركات الجديد لعام 2015 حتي يعتبر قانونا حديثا ملائما ومسايرا للعصر ومستجداته. والشركات في كل العالم الآن تعرف معايير الحوكمة وما لها وما عليها ومن يراقبها، وتتنافس في هذا المجال وفق الأطر التشريعية المتاحة في البلد، وفي السودان نسمع أحاديث كثيرة ومكررة عن "حوكمة الشركات"ولا ندري من أين تستقي هذه الأحاديث شرعيتها وما هي الأسس التي تعمل بموجبها هذه الحوكمة في ظل غياب التشريع والأحكام الرقابية المنظمة للحوكمة.
ومجمل هذا، أن هناك فراغا تشريعيا قانونيا لا بد من معالجته لتسير شركاتنا وفق مبادئ "حوكمة الشركات" الحديثة المتبعة في كل الارجاء. وعند التعامل، خاصة مع الخارج، هناك أسئلة واستبيانات عن الحوكمة ومدى تطبيقها وكيف يتم هذا التطبيق. ولذا فان تقنين موضوع الحوكمة أصبح من الأمور اللازمة الوجوب والنفاذ العاجل لكل تعاملات الشركات على المستويين الداخلي والخارجي. والقانون الجديد سكت عنها تماما.
قانون الشركات الجديد لعام 2015 لم يتناول ما يعرف بنظام "المسئولية الاجتماعية– المجتمعية - للشركات"، وهذا أيضا لم يتضمنه القانون القديم 1925 لأنه لم يكن موجودا في الأساس في ذلك الوقت. ولكن الآن قوانين الشركات الحديثة تتضمن أحكاما واضحة وخاصة بتناول ما يسمي ب "المسئولية الاجتماعية – المجتمعية - للشركات". حيث توجد نصوص تلزم الشركات بوضع نسبة محددة من أرباحها سنويا لصرفها في تنمية المجتمع الذي تعمل فيه الشركة ومنه تحقق أرباحها. والزام الشركات بتحديد نسبة من الأرباح وصرفها بمنهجية وفق أسس سليمة شفافة، هو ما يعرف بنظام المسئولية الاجتماعية للشركات. وتتوسع أحكام المسئولية المجتمعية للشركات لتشمل ضمان الممارسات السليمة لحماية المستهلك وحماية البيئة وغيره، مع الحرص على تطوير العنصر البشري في الشركة وفي البلد عامة... وهكذا تكون هذه المسئولية مظلة أمان ودعم وتطوير للمجتمع.وبموجب القانون، تقوم الشركات الآن بوضع وثيقة "ديكلاريشن" تتضمن التزامها تجاه المجتمع والمستهلك. وهذه الوثيقة كتاب مفتوح للكل.
والجميع يلاحظ في السودان حديثا كثيرا عن المسئولية الاجتماعية للشركات وتتبارى معظم الشركات في هذا الخصوص وكل يدلي بدلوه. ومثل هذه النخوة بالطبع تجد التأييد والثناء، ولكن هناك ضرورة قصوى لتقنين هذه الممارسات وتأطيرها لتتم وفق منهجية قانونية قومية سليمة ومتكاملة الأهداف والمرامي حتى تأتي أكلها لفائدة المجتمع السوداني الذي هو في أمس الحاجة لمثل هذه النفرة والممارسات النبيلة التي تعبر عن الأصالة والنبل والشهامة. ومن دون شك هناك ضرورة ملحة للتقنين، لوجود الفرق الشاسع في ما بين الممارسة وفق المزاج "الشخصي" و"المصلحجية" و "الجود بالموجود" وتلك الممارسة التي تنبثق من رحم القانون وتعطيه البنوة الشرعية.
وبسبب الهزات والانتكاسات الاقتصادية والمالية التي تعرض لها العالم في الحقبات الأخيرة، فان معظم الشركات في العالم تعرضت بل وأصابها "رشاش" الضربات القوية وما تبعها من الانتكاسات السلبية للحركة التجارية وهذا الوضع بدوره قاد إلى انهيار وافلاس العديد من الشركات، الكبيرة والمؤثرة في التجارة العالمية، بصورة هزت كل المجتمعات مما أثر مباشرة على نهضتها ومعاملاتها التجارية والاستثمارية وغيره... وكرد فعل لما حدث ولامتصاص آثار هذه الضربات الموجعة، هب القانونيون والاقتصاديون والمصرفيون والتنفيذيون .... وشرائح المجتمع، هبة قوية لاستنباط وإضافة أحكام تشريعية مهمة في قوانين الشركات الحديثة من أجل توفير المعالجات القانونية الملائمة لمجابهة افلاس الشركات أو انهيارها أو تصدعها وتفككها. وحدوث مثل هذه الأوضاع الكارثية يستدعي العمل برؤية جديدة تستوجب تقديم الدعم الضروري للشركات بما في ذلك هيكلة الديون والمستحقات المالية وما هو مرتبط بها من التزامات وضمانات شخصية أو مؤسسية والرهونات التجارية والعقارية وغيره...
وكما ذكرنا فان التشريعات الحديثة الخاصة بالشركات تتناول وتنظم هذه الأحكام وفق رؤية قانونية اقتصادية مالية متكاملة تنظم التعامل مع الافلاس والانهيار التجاري وفق رؤية عميقة ذات أبعاد مختلفة تبحث عن أسباب الافلاس ومبرراته ومدى تأثر الشركات الأخرى به، وهذا يستدعي التدخل الحاسم والفوري لتقديم الدعم المالي واعادة هيكلة الديون وجدولتها وفق برنامج زمني يؤهل الشركات للنهوض من الكبوة وتجاوز الأزمات آخذين في الاعتبار أن عمل الشركات متداخل وانهيار شركة ربما يؤدي إلى انهيار "الدومينو"، وأيضا بالمقابل فان اصحاح وضع شركة قد يؤدي بدوره إلى ملء شرايين الحياة لشركات أخرى متعاملة أو مرتبطة بأي درجة كانت. وهكذا يجب أن يتضمن القانون كل المخارج الملائمة لكل الظروف الحلوة والمرة، و لليوم الأبيض والأسود.
ونلاحظ أن قانون الشركات السوداني لعام 2015 لم يأت بجديد هنا لأنه لم يتضمن أي أحكام واضحة خاصة بهذه الأمور، وفق المنهجية العالمية الجديدة لانهيار وافلاس الشركات، بالرغم من أهميتها لدرء أو تجنب المخاطر التي قد تحدث، وهذا جائز في كل لحظة في العمل التجاري. والتشريعات الحصيفة تضع أحكاما لمعالجة مثل هذه المستجدات خاصة وأنها متوقعة وليست ببعيده الحدوث في هذا العالم المليء بالأحداث المتلاطمة والمستجدات العاصفة. ولقد جنحت معظم قوانين الشركات الحديثة بالعمل وفق حكمة "الوقاية خير من العلاج"، واستباق الأحداث بالتفكير السليم وفق رؤى تهتم بمجابهة وحسن ادارة المخاطر لوضع أرضية قوية تمشي عليها الشركات. وقطعا، كل هذا يحتاج للتشريعات بعيدة النظر من أجل استقرار العمل التجاري. وفعليا، قادت التشريعات الحديثة إلى انقاذ الكثير من الشركات بل والدول.
يعتبر موضوع "الجندرة" من المسائل المهمة الآن في العالم. وهناك أفعال وأحداث قوية من أجل تمكين المرأة في لعب دور مباشر في كل مناحي الحياة، ولتحقيق هذا التوجه نلاحظ أن قوانين الشركات الحديثة في العالم تتضمن نصوصا لتمكين المرأة في مسائل ادارة الشركات، أليست هي نصف المجتمع؟ ولهذا تنص قوانين بعض الدول على تخصيص نسبة محددة في "مجالس الادارة" لتحتلها المرأة، وهذا نتج كرد فعل من هيمنة"الذكورية" على ادارة الشركات مع أن افساح المجال للطرف الآخر له ايجابيات "حلوة" ينبغي الاستفادة منها. وقانون الشركات الجديد لعام 2015 لم يشر لمثل هذه التطورات مسايرة لما عليه الوضع لمقابلة متطلبات "الجندرة" الحديثة التي أصبحت واقعا يحتاج للتقنين، خاصة وأن هناك أمثلة مشرقة تبين نجاح المرأة في قيادة الشركات. والمرأة السودانية نجحت في مجالات عديدة وهذا حافز لفتح المجال لها، بقوة القانون.
كذلك فيما يتعلق بمجالس ادارة الشركات، فان القوانين الحديثة تنص على فلسفة جديدة تنادي بتعيين "العضو (الأعضاء) المستقل" في مجلس الادارة. وهذه الاستقلالية ستتيح للمجلس النظر في الأمور بعيدا عن المصلحة الذاتية المحضة لأن العضو المستقل لا يملك أسهما يخاف عليها ولذا فان مشاركته وقراراته ستكون "مستقلة محايدة" وغير متأثرة لعدم الارتباط المادي وقد تهدف لمصلحة كل المجتمع. وقانون الشركات الجديد لعام 2015 لم يتطرق لهذه الأفكار الحديثة التي تهدف لتطوير أعمال الشركات من أجل التطوير وليس بحثا عن المصالح الذاتية فقط. وبغياب النصوص القانونية لا يمكن تعيين عضو (أعضاء) مستقل في مجالس ادارة الشركات السودانية وبالتالي فان المجلس قد يحصر وقته في البحث عن المصلحة الذاتية بعيدا عن مصلحة المجتمع أو المستهلك أو الجهات المرتبطة أو اي جهة كانت.
بل أن قوانين الشركات الحديثة، ووفقا لأحكام ومبادئ حوكمة الشركات تسعى حثيثا لتطوير أعمال مجلس الادارة لتصل لأرقى المراحل وذلك بضرورة العمل على الفصل بين مجلس الادارة، من ناحية، كجهة منوط بها وضع الاستراتيجية العليا للشركة و، من الناحية الأخرى، الادارة التنفيذية للشركة بصفتها المخولة بتنفيذ الاستراتيجية التي يضعها مجلس الادارة. وهذا "الفصل بين السلطات" ضروري لضمان حسن الادارة وعدم تضارب وتعارض المصالح، ولذا لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس ادارة الشركة واحتلال منصب قيادي تنفيذي في الشركة كمنصب المدير العام(العضو المناوب) في الشركة لضرورة الفصل بين السلطات وحتى لا يختلط الحابل بالنابل. ولكن نلاحظ أن قانون الشركات الجديد لعام 2015 لم يتقيد بهذا المبدأ الحديث،وهو من الأساسيات الادارية في حوكمة الشركات، لأنه أجاز الجمع بين عضوية مجلس الادارة ومنصب المدير العام. وفي هذا مخالفة لما يسير عليه الوضع في غالبية، إن لم نقل كل، قوانين الشركات الحديثة التي تقوم على ركائز ادارية حديثة تم التوصل اليها بعد عصارة تجارب تراكمية عبر سنوات كثيرة.
وكما ذكرنا فان قانون الشركات الجديد لعام 2015 حصر نفسه في الهيكل الموجود في اطار القانون القديم لعام 1925 ولم يفكر خارج الصندوق، ولذا لم يتناول أمورا حديثة مهمة تتضمنها قوانين الشركات الحديثة كالحوكمة والجندرة والمسئولية المجتمعية وحماية المستهلك والبيئة وتعيين العضو المستقل والفصل بين مجلس الادارة والادارة التنفيذية... وغيره.... بل أن القانون الجديد لعام 2015 لم يعدل بعض المفاهيم التي تضمنها القانون القديم والتي نرى، بكل احترام، عدم ملائمتها. ولهذا نقول إن قانون الشركات الجديد لم يخرج من عباءة قانون الشركات القديم. ومن المفاهيم غير السليمة التي تضمنها القانون القديم تبعية قانون الشركات لوزارة العدل "مسجل الشركات" ويكون الوزير المسئول هو وزير العدل. وهذا الوضع غير سليم بتاتا ولا أرى أي سبب يجعل الوزارة المختصة بتطبيق وتنفيذ مضمون قانون الشركات هي وزارة العدل، لأن العلة ليست فقط في التسجيل وانما العلة في ما يحدث بعد التسجيل وانعكاسات أعمال الشركة على التجارة والاقتصاد والتنمية والاستثمارات والضوابط المؤسسية الرابطة.
في رأينا المتواضع، ان الوضع الطبيعي أن تكون الوزارة المسئولة عن الشركات هي وزارة التجارة أو الاقتصاد أو المالية أو الاستثمار... أو أي وزارة، يكون طبيعة عملها التخصصي هو متابعة أمور التجارة والاقتصاد وادارة الاعمال والمالية والاستثمار...... أي من هذه الوزارات قطعا ستكون أنسب من وزارة العدل، ووزير العدل هو المستشار القانوني للحكومة فما علاقة هذا بالأمور التجارية والاقتصادية والمالية والاستثمارية والتنموية والادارية. فهل لأن الشركات تحتاج للتسجيل ولأن عملها ينظمه "قانون طويل عريض" لذا تتم تبعيته لوزارة العدل. اذا سرنا على هذا المنطق فهناك "قانون طويل عريض" خاص بالقوات المسلحة ولذا يكون مسئولا عنها وزير العدل، وهناك "قانون طويل عريض" يتعلق بالميزانية العامة ولذا يكون مسئولا عنها وزير العدل، وهناك "قانون طويل عريض" خاص بالزكاة ولذا يكون مسئولا عنها وزير العدل، وهناك "قوانين طويلة عريضة" عن الموارد الطبيعية والبترول والذهب ولذا يكون مسئولا عنها وزير العدل... وهكذا ...وهكذا.
ونكرر، اذا سرنا على هذا المنطق فان أي جهة ينظمها قانون مثل قانون الشركات يكون مسئولا عنها وزير العدل، فهل هذا سليم؟ وأين التخصصية والمهنية؟...في نظرنا وبكل احترام، هذا الوضع غريب بل وشاذ ويحتاج للتصحيح وكانت الفرصة في القانون الجديد، وهذا لم يتم. إن من الطبيعي احالة تبعية الشركات لجهة فنية مختصة بمسائل الشركات الفنية ودورها من النواحي المالية الاقتصادية والهيكلية ودور هذا في التجارة والتنمية والاستثمار بصورة عامة. إن هذا العمل فني وطبيعته تخصصية ويحتاج للإشراف الفني والمتابعة المهنية ويجب ادارته كقطاع متكامل وفق المفاهيم الفنية المحضة مع وجود الكفاءات الكافية المقتدرة والمتنوعة بما فيها الكفاءات القانونية للمساعدة في تكملة الجوانب القانونية الاجرائية الملازمة لمسيرة عمل الشركات.
قانون الشركات الجديد لعام 2015 أبقى الوضع الذي وجد عليه القانون القديم، ولم يتم تبديل هذه العباءة بالرغم من عدم ملاءمتها من كافة النواحي كما أسلفنا. وهذا الموضوع يحتاج لوقفة ومراجعة، من السلطة التنفيذية ذات العلاقة، لوضع الأمور في اطارها الصحيح والسليم. ولن تصل شركاتنا للمبتغى ما لم يشرف عليها من هو مؤهل فنيا لذلك، وليتفرع وزير العدل لمهامه الأخرى القانونية والدستورية ومن ضمنها رفد الجهة التي تؤول اليها ادارة الشركات بكل الكفاءات القانونية من حيث الكم والكيف لضمان تأسيس وانسياب عمل الشركات لتحقيق المصلحة العامة وفق استراتيجية اقتصادية تنموية متكاملة.
كنا نتوقع أن يتطرق القانون الجديد لمثل هذه الأمور المهمة الحديثة لإحداث نقلة نوعية في تشريعاتنا وذلك للأهمية القصوى في تطوير عمل الشركات في السودان بصورة مؤسسية سليمة لتحلق عاليا.ولكنه لم يفعل، بل دار حول الأحكام القديمة بالرغم من الحاجة للتطور التشريعي في هذه المرافق الاقتصادية المهمة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ولفتح المنافسة لمصلحة المستهلك وصاحب العلاقة... ولزيادة الدخل الضريبي وتنويع مصادر الدخل وغيره من المنافع الجمة، اضافة لتوفير فرص العمل المتعددة للشباب المتعطل.. وكل هذا مع بعضه يدور في مصلحة الاقتصاد والتجارة ودعم القطاع الخاص... وبالتشريع الملائم نحقق كل هذا وذاك...
بعد توضيح النقاط العامة أعلاه ومدى أهميتها لرفد التشريعات الملائمة لأعمال الشركات،سنعود لاحقا بإذن الله، لندلو بدلونا في تناول بعض الأحكام الواردة في قانون الشركات الجديد لعام 2015..مثل أنواع الشركات، العلاقة مع الجهات الرقابية، العلاقة مع سوق المال، حماية المستثمر، دور المساهمين، مساءلة مجلس الادارة، ميكانيكية محاربة الفساد في الشركة والبلد، دور المراجع القانوني، التملك والاندماج، الافلاس وضوابطه، التصفية، انهاء الشركة ... وغيره...
د. عبد القادر ورسمه غالب
المستشار القانوني وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين
Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
Twitter:@1awg


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.