هذه الصحيفة كانت سباقة في نشر معلومات حقيقية ودقيقة حول ملف انضمام الطلاب والشباب إلى تنظيم داعش الإسلامي، ما كُتب في السوداني من قصص خبرية وتقارير وحوارات، أسهم في تكوين آراء مختلفة وانطباعات متباينة حول الموضوع في حين بقيت أسئلة حائرة مازالت تنتظر الإجابة. نقاشات مفيدة بين عدد من الأساتذة والزملاء الصحفيين دارت بعمق خلال الأيام الماضية، لم تقتصر على مسببات التحاق الطلاب بالتنظيم، ولكن حول ضرورة إدارة حوار فكري وعقلاني لإقناع الآخر برأي أو فكرة دون الجنوح إلى الإتهامات والتهويمات. ظن البعض أن تقصير الجامعة والأسرة وإهمال مراقبة الأبناء أهم أسباب التحاق الطلاب بالتنظيم، وهو التبرير الذي يبتعد من الواقع قليلاً، لأن المسألة ليست انحرافاً أو سوء سلوك، إنما إيمان بفكرة وعقيدة والاستسلام لها بالكامل. تأثرت قليلاً حينما علمت أن صافنات ابنة السفير علي الصادق ضمن الطلاب الذين قرروا الالتحاق بالتنظيم.. كنا نعرفها منذ أن كانت طفلة، شديدة التعلق بوالدها، تحضر في بعض الأيام بعد انتهاء المدرسة إلي مكتبه في الخارجية، كما كان هو الآخر شديد التعلق بها يصطحبها معه كلما مثَّل السودان خارجياً، آخرها حينما كان سفيراً في أثينا. حكاوي صافنات لم تغب كثيراً علي لسان علي الصادق كلما جاءت مناسبة. لم يلحظ من كان يراها تغيراً عليها إلا في الملبس، ارتدت (طرحة) مع ذات الملابس الأنيقة ثم بعد فترة من دخولها جامعة مأمون حميدة تحجبت. التغيرات التي قد تطرأ علي الأبناء الذين قرروا الالتحاق بداعش ليست مزعجة بل مريحة جداً إن جاز التعبير.. التزام بالصلاة وقراءة القرآن وقيام الليل والإكثار من الأفعال الخيرية ومساعدة الآخرين. الدين وازع أخلاقي كلما اقترب الإنسان من جوهره زادت طاعاته وأخلاقه وقلَّت معاصيه. عرفت أن السفير علي الصادق الذي كان يعرف صديقات صافنات طلب من ابنته الابتعاد عن طالبة معينة كان تدينها أقرب للتطرف، وأفلح في إقناعها بعدم جدوي التنظيمات والجمعيات ذات الطابع الإنساني والتي كان يعتقد والدها صادقاً أنها ستار لغسيل الأدمغة والانفراد بالطلاب والتغرير بهم.. وظلت المتابعة للإبنة موجودة إلي أن بدا ظاهراً عدم وجود علاقة تجمعهما. ذكرتُ هذه الملاحظات للتأكيد بأن الأساليب التقليدية في المراقبة وحجب الأفكار لم تعد مجدية في ظل الفضاء المفتوح. إن كان أفراد من هذا التنظيم (المشوه) تمكنوا من التوغل في عقول وربما (قلوب) شباب من مختلف أنحاء العالم باسم الإسلام، ما الذي يمنع المتفقهين في الدين بتعزيز خطأ الفكرة؟! تعليق مفيد ذكره لي د.بدر الدين علي، أن الشباب لن يستجيبوا لفتاوي تحريمية فقد حرموا من قبل السجائر والغناء ولم يستجب لهم الكثيرون. محاربة داعش ستنجح أولاً بمحاربة الفكرة قبل تحريمها.