في التقرير المتميز للزميل محمد عبد العزيز والمنشور ب(السوداني) عدد أمس السبت ذكر دبلوماسي بالسفارة الأمريكيةبالخرطوم منبع فكرة دعوة الإفطار التي نظمتها مجموعة من موظفي السفارة بشارع النيل.. الموظف قال إنه فوجئ ذات يوم بسودانيين يحيطون بهم في الشارع العام ويطلبون إليهم مشاركتهم إفطار رمضان.. وهي عادة كما قال لا تجدها إلا في السودان القطر الذي يتفوق على بلدان وعواصم عربية وغربية كبيرة وكثيرة في تلقائية تعامل الناس في الشارع العام ودفء وصدق علاقاتهم وبشاشتهم مع الضيوف من الجنسيات المختلفة. حديث الدبلوماسي الأمريكي يؤكد أنهم نقلوا طريقة تعامل سودانية تنبع من خلق وكرم الشعب السوداني وعاداته المتأصلة في شهر رمضان.. مبادرة موظفي السفارة الأمريكية بدعوة المارة والعابرين بشارع النيل للإفطار الرمضاني تستحق الإشارة إليها.. لكنها حقا لا تستحق كل الاحتفاء الذي قابلناها به.. مع شكرنا وتقديرنا لهذه الروح الطيبة لموظفي السفارة الأمريكية ومشاركتنا الرمزية بالإفطار في شارع النيل نقول لهم إن هذه الطريقة لا تخاطب القضايا الحقيقية التي تتطلب اجتهادا واختراقا من طاقم السفارة بالخرطوم.. أمر طيب أن يتحرك الدبلوماسيون الأمريكيون في السودان في عمق المجتمع السوداني.. أمر جيد أن يسافروا للولايات البعيدة ويمكثوا وقتا في ساحات وزوايا الطرق الصوفية وأن يمضوا وقتا طيبا وممتعا على رائحة الشواء والشية في مزرعة رجل الأعمال السوداني عصام الشيخ بشرق النيل.. أمر مستحسن أن تتم دعوة مجموعة من مشايخ القبائل السودانية لزيارة واشنطن وإن تم ذلك دون علم ولا تنسيق مع الخارجية السودانية ولا سفارة بلادنا في واشنطن!!.. كل هذا النشاط الأمريكي في وسط المجتمع السوداني أمر مستحسن.. لكننا بالمقابل نشير إلى نقطة مركزية لا تريد سفارة أمريكا بالسودان مخاطبتها والغوص فيها بصراحة ووضوح مع النخب الثقافية والفكرية والإعلامية والسياسية بالسودان.. يلحظ المراقب والمتابع للنشاط الدبلوماسي الأمريكي بالسودان (انتقائيته) لمجموعات ورموز تظهر العناية واضحة في دعوتها إما للحوار في الشأن السوداني.. أو زيارتها في مواقعها.. أو دعوتها لزيارة أمريكا نفسها.. الهدف النهائي من هذه الزيارات هو تحسين الصورة الأمريكية في أوساط محددة ومختارة بعناية في الوسط السوداني.. كل هذا التحرك الاجتماعي لم يناقش المشكلات الحقيقية التي ألقت بظلالها على كاهل الشعب السوداني بفعل الحصار الجائر الذي تمارسه أمريكا ضد شعبنا السوداني.. حصار أفرز حتى هذه اللحظة دمارا شاملا لشركة سودانير التي تعجز عن استيراد قطع الغيار المحظورة بأمر أمريكي ظالم.. كنت آمل أن تنظم السفارة الأمريكية على شرف إفطار موظفيها هذا لقاء استماع وحوار للشباب السودانيين بشارع النيل.. أن تسألهم عن معاناتهم في الحصول على البرامج والتطبيقات التي يتمتع بها كل شباب العالم بينما يقف شباب بلادنا عاجزين عن مسايرة ثورة العلم والتكنولوجيا التي تتطور على رأس كل ثانية.. والسبب حظر أمريكي على التقانة وتطبيقاتها في السودان. أن تتحرك الدبلوماسية الأمريكية بهدوء في شوارع الخرطوم.. تخالط الناس.. تعايشهم.. تقابلهم.. تتحدث إليهم.. أن يحدث هذا بكل هذه السلاسة وبلا قيود ولا مخاوف.. هذا يعني أن السودان بلد خالٍ من الإرهاب.. المادي والمعنوي والاجتماعي.. يبقي السؤال الشاخص إذن لماذا تصر أمريكا الرسمية على ترحيل وتجديد العقوبات ضدنا كل عام؟!.. الإجابة ببساطة لأن أمريكا الرسمية لا تريد مخاطبة القضايا الحقيقية مع الشعب السوداني.. تتهرب من هذه المواجهة بمناشط فيها دافع إنساني من مجموعة موظفين نبلاء.. لكنها قطعا لا تخلو من مظهر نفاق لدولة عظمى لكنها متناقضة بين تقارير موظفيها على الأرض وقرار مخابراتها في الفضاء!! عبد الماجد عبد الحميد