مدير برنامج السودان بمعهد السلام الأمريكي يحكي: سياسة النفط وخط الأنابيب المقترح لجنوب السودان ترجمة: بابكر فيصل أجاب جون تيمين مدير برنامج السودان بمعهد السلام الأمريكي, ورايموند جيلبن, مدير برنامج الاقتصادات المُستدامة بالمعهد على أسئلة حول الأحداث الجارية الآن في جنوب السودان بعد أن أعلنت جوبا مؤخراً خطة مثيرة للجدل لبناء خط أنابيب للنفط يمر عبر الأراضي الكينية. * أعلن جنوب السودان اتفاقاً يقوم بموجبه بتصدير نفطه الخام عن طريق كينيا، واستبعاد جارته الشمالية - السودان. في الوقت نفسه، فإنَّ الحكومة السودانية غاضبة بسبب ما تصفه ب "رسوم العبور" التي لم يتم تسديدها. ما هي القصة بالضبط؟ * جون: هذا هو أحدث تطور في قصة طويلة متعلقة بشروط انفصال جنوب السودان عن السودان في يوليو 2011. لأكثر من عامين انخرطت قيادات من كلا البلدين في مفاوضات متقطعة على النفط وغيره من "قضايا ما بعد الاستفتاء", بوساطة من الاتحاد الإفريقي. ولم يتم إحراز تقدم كبير يذكر. مؤخراً, بدأ السودان من جانب واحد الاستيلاء على كميات من نفط جنوب السودان الذي يمر عبر أراضيه، بحجة أن النفط تم استقطاعه مقابل رسوم العبور التي لم يتم دفعها وهو الأمر الذي ينفيه الجنوب، رداً على ذلك، هددت حكومة جنوب السودان بإغلاق كل آبار النفط، وخلال الأيام القليلة الماضية يبدو أنهم بدأوا في تنفيذ وعيدهم وشرعوا في عملية إغلاق آبار النفط في أنحاء البلاد. جنوب السودان حريص على بناء خط أنابيب بديل - من المحتمل عبر كينيا - بحيث لا يفرض عليه تصدير نفطه عبر السودان والتفاوض معه حول رسوم العبور. ولكن هناك عقبات كثيرة تقف في طريق جعل هذا الأنبوب المقترح أمراً واقعاً. إذا اكتمل إغلاق آبار النفط، فإن كل من السودان وجنوب السودان سيعاني كثيراً نظراً لاعتمادهما على عائدات النفط. * هل تشكل هذه القضية خطراً جدياً على العلاقات الهشة أصلاً بين السودان وجنوب السودان؟ * جون: نعم. إذا لم يتمكن السودان وجنوب السودان من التوصل إلى اتفاق بشأن رسوم العبور وتقاسم العائدات، فإنه من غير المرجح أن يتوصلا إلى اتفاق على قضايا أخرى مهمة لم تحل بعد. وتشمل هذه القضايا: ترسيم الحدود بين البلدين، ومستقبل منطقة أبيي المتنازع عليها وتحديد الوضع القانوني لمئات الآلاف من الجنوبيين الذين يعيشون في السودان. نظراً لتاريخ العنف في المنطقة وحتى يعيش البلدان في سلام، فإنهما سوف يحتاجان إلى الحفاظ على الاتصالات بينهما وعلى قدر من الفطنة والكياسة. ولكن إذا تم اكتمال إغلاق الآبار، واستمر الحديث عن خط أنابيب يمر عبر كينيا، فإنه من المرجح أن يشعل ذلك العلاقة ويمنع الحوار. لقد وقعت أسوأ فترات الحرب الأهلية عندما عجز الشمال والجنوب عن الحوار الدبلوماسي. وعلى الرغم من أنَّه لا توجد حرب الآن بين البلدين, فإنهما بالكاد يتحدثان لبعضهما البعض. ونتيجة لذلك، فإن فرص القيام بأفعال متهورة تزداد، وكذلك يزداد احتمال اندلاع عنف لا لزوم له. * يعتقد بعض المحللين أن خطة بناء خط أنابيب يمر عبر تضاريس كينيا الأكثر خطورة، بما في ذلك العديد من المناطق القبلية التي تشهد تنافساً شديداً، ليست أمراً وارداً. هل هناك ما يبرِّر هذا الاعتقاد؟ * رايموند: خط أنابيب النفط من جنوب السودان إلى ميناء في شمال الساحل الكيني - على الأرجح لامو - سوف يجتاز تضاريس صعبة من حيث طبيعة الأرض والأمن. سيمر خط الأنابيب المقترح عبر كينيا في اتجاه الجنوب - الجنوب الشرقي - ويتجنب المنطقة الشمالية الشرقية المضطربة والتي تسكنها تاريخياً المجموعات الصومالية والساكوية. هذه المجموعات ظلت تطالب بحق تقرير المصير لعقود من الزمن. وهذه المنطقة تمثل حالياً بؤرة النشاط الإرهابي لتنظيم الشباب الصومالي. هذا لا يعني أن بناء خط الأنابيب سوف يكون محفوفاً بمخاطر لا يمكن تجاوزها, فإذا كان بناء الخط مربحاً, فإنَّ المستثمرين سيكونون على استعداد للتخفيف من المخاطر واتخاذ الخطوات اللازمة لحماية استثماراتهم. هذه الخطوات يمكن أن تشمل بناء معظم أجزاء خط الأنابيب تحت الأرض، أو التوصل إلى اتفاقات مع المجموعات السكانية المحلية من خلال الاستثمارات الاجتماعية الاستراتيجية للشركات. التوصل لشكل من الاتفاق مع المجموعات العرقية سيكون نسبياً أسهل لأنَّ الخط سيتجنب الشمال الشرقي الأكثر مشاكل. * تشير التقارير إلى أن كمية النفط المصدَّرة من جنوب السودان سوف تتضاءل مع مرور الوقت. هل هناك ما يكفي من النفط في جنوب السودان لتبرير إنفاق حوالى 1.5 مليار دولار لهذا الخط الجديد؟ * رايموند: صحيح أن مستويات الإنتاج في جنوب السودان قد تراجعت في الأشهر الأخيرة، ولكن يجب علينا ألا ننسى أن هذا الوضع قائم على الاحتياطيات المعروفة والتكنولوجيا المستخدمة حالياً. وتوقعات الزيادة في الإنتاج ستزيد إذا تمَّت اكتشافات جديدة وتحسَّنت أساليب الإنتاج, وهذا سيجعل الاستثمار في خط أنابيب أكثر جاذبية. خط الأنابيب سيكلف الكثير من الأموال بسبب طوله والنوع الغالب من النفط الخام المصدر من جنوب السودان (مزيج داربرافيني الثقيل الذي يتطلب وجود عدد من محطات التدفئة والضخ على طول خط الأنابيب). وقد أبدى بعض المستثمرين من الصين وكوريا الجنوبية واليابان رغبتهم في الاستثمار في هذا الخط. وبغض النظر عن إمكانية ظهور اكتشافات جديدة في جنوب السودان، فإنَّ المستثمرين ينجذبون لهذا المشروع لسببين آخرين. أولاً, إمكانية ربط خط الأنابيب بشبكة إفريقيا الوسطى التي يمكن أن تسهل تصدير النفط الخام من الاكتشافات الجديدة في بلدان مثل أوغندا وتنزانيا. وهذا من شأنه تعزيز الربحية. ثانياً, إمكانية إنشاء "جسر بري" من شأنه أن يوفر للمصدرين في شبه الجزيرة العربية خياراً لتجنب انعدام الأمن والقرصنة في المياه الصومالية وما حولها وذلك باستخدام المرافق في ميناء بورسعيد في مصر لتحميل ناقلات النفط الخام إلى لامو. وعلى الرغم من أن وجود هذه الاحتمالات الإقليمية، بالإضافة إلى إمكانية اكتشافات جديدة في جنوب السودان سيسيل لعاب المستثمرين المحتملين، إلا أنَّ نجاح مثل هذا المشروع يتوقف على: وجود تعاون إقليمي غير مسبوق, ووجود مستثمرين لا تنفذ جيوبهم, وتوفر الاستقرار في جنوب السودان.