عانى فن الإعلان في السودان لسنوات خلت من هجمة تمصير شرسة، طغت على كل شيء بدءاً من الموسيقى مروراً باللهجة وليس انتهاء بالموديل، وأذكر أنني كتبت قبل فترة عن هذا الأمر ووصفته بالكارثة، لجهة أن للإعلان تأثير كبير على الوجدان، وخاصة على الأطفال ولم تكن معظم تلك الإعلانات ناجحة لأنها كانت، إضافة لما ذكرته أعلاه، ضعيفة فنياً ولم تراع الحد الأدنى من الشروط المثلى لإنتاج الإعلان. لكن في الفترة الأخيرة ظهرت موجة من الإعلانات ذات النكهة السودانية ولم تكن غريبة الوجه واليد واللسان مثلما كان الأمر في السابق، وقد توفرت لهذه الإعلانات مجموعة من الأسباب التي أدت إلى نجاحها حسب وجهة نظري، وعلى رأس ذلك التزام الحرفية والمهنية العالية في السيناريو وفي تنفيذ ذلك السيناريو. وعلى سبيل المثال فقد نجحت شركة إم تي أن في الاستفادة من الموروث الشعبي، في أكثر من إعلان ومن ذلك إعلان الحبوبة التي تتحدث تلك اللغة الآسيوية بطلاقة، والإعلان الذي استلهم اللعبة الشعبية "ضباح كسرة بي ملاح" وهنالك إعلان عن منتوج" زادنا" يتميز بتتبع الصور السودانية المعبرة على خلفية أهزوجة رائعة اللحن والأداء تتغلغل في الدواخل كما النسيم الرطب في أمسية صيفية. وقد تميز الإعلان الثالث" الأخير" لشركة الكهرباء بجاذبية طاغية نسبة لقوة الإيقاع واستغلال الحس الدرامي وتكثيف اللحظة الحاسمة في الإعلان وهنالك إعلانات راعت التكوين الثقافي للشباب وتأثرهم بمعطيات العصر لكن دون الخروج من النهرالسوداني، وتؤكد هذه الأمثلة على اتجاه المعلنين السودانيين –أخيراً– إلى الإنتاج الذي يقوم على العلمية والحرفية العالية والتعبير عن البيئة والثقافة السودانية الأصيلة. ولكن رغم هذه النماذج المشرقة، نلاحظ وجود بعض النماذج التي لا تخلو من الضعف البائن – شكلا ومضموناً – ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى السذاجة، لدرجة أن النتيجة من الإعلان قد تكون عكسية، بحيث تجعل المتلقي ينفر من السلعة بدلاً من الاقتناع بها، وبالتالي تكون النتيجة للمعلنة " ميتة وخراب ديار"! ويلاحظ – في الفترة الأخيرة – دخول العديد من المبدعين إلى مجال الإعلان وهو أمر متبع في كل العالم لكنه محكوم بضوابط دقيقة حتى لا ينقلب السحر على الساحر، فالمغنية التي غنت للعدس التصق بها هذا الاسم وطغت تلك " الدعاية" على جميع أغنياتها وأخرى تغني للأرز وتختم مشاركتها بطلب مستفز للرجل السوداني وهو التفضيل بينه وبين ذلك النوع من " الرز"! قصدت من كل هذا فتح باب الحوار حول هذا الفن الخطير والذي أصبح يمثل عصب الإنتاج في الفضائيات المرئية والمسموعة، ولابد أن تكون هنالك خطوط عريضة أو أرضية ثابتة يتحرك فيها الإعلان كيفما اتفق بشرط أن يستوفي شروط الحرفية من حيث مضمونه وتنفيذه الفني، وأتمنى أن تغشى موجة السودنة هذه العديد من المجالات الأخرى وفي مقدمتها زفة العريس والعروس.