** ومن الطرائف التي وثقها زميلنا الدكتور كمال عبد القادر في زاويته الرشيقة (كلامات)، طرفة الحسناء التي قصدت ذات يوم أحد السجون لتفقد حال نزيل من ذوي القربى، فتعرضت لتحرش وغزل فاضح من أحد النزلاء، وكان على نحو : (سنة يا تتي)، ولم تغضب الحسناء ولم تحزن، بل سألته بإشفاق : (سجمي ..إنت مسجون هنا من زمن سنة يا تتي ؟)..وهكذا تقريباً كان لسان حالي وأنا اتصفح ضحى البارحة الموقع الإلكتروني لوزارة الاستثمار، وهو موقع يصلح بأن يكون نموذجاً من النماذج التي ينطبق عليها مثلنا الشعبي (الجواب باين من عنوانو)، أي حال موقع وزارة الاستثمار بمثابة مرآة ترى فيها حال الاستثمار في بلادي ..!! ** على سبيل المثال، أنقل بالنص - من دليل المشروعات الترويجية - ما يلي .. (مشروع استغلال النيل سياحياً، ببناء شاليهات ومكاتب وملاعب وشراء لنشات متوسطة وكبيرة وحافلات سياحية وعربات.. وذلك لتنظيم رحلات نيلية وتنشيط حركة السياحة على النيل من الخرطوم عبر النيل الأبيض حتى جبل أولياء وعبر النيل الأزرق حتى جزيرة التمساح وعبر النيل حتى السبلوقة..والتكلفة الكلية للمشروع حوالي 65 مليون دينار)..هكذا حال الموقع المراد به الترويج عن الاستثمار، كما حال ذاك النزيل، من زمن (الدينار والتتي)، بحيث لم يواكب حتى زمن جنيه مابعد نيفاشا، ناهيك بأن يواكب زمن جنيه ما بعد الانفصال ..!! ** تمهل يا صديق، ليس عدم تحديث تكلفة هذا المشروع السياحي وحده هو دليل تخلف الموقع عن ركب المواكبة، بل اقرأ ما يلي أيضاً، حول ذات المشروع أيضاً..(بحاجة إلى دراسة جدوى، معروض للقطاع الخاص، الجهة المنفذة شراكة بين القطاع العام والخاص، ويمكن تنفيذ المشروع فوراً إذا توفر التمويل)..أها شن قولك في هذا النوع من الترويج؟ وشن قولك في طريقة العرض؟..لم يتم دراسة جدواه، ومع ذلك يروجونه بحيث يمكن تنفيذه - وكمان فوراً - إذا توفر التمويل؟..هل تذكرون حكاية (نهج النظام الذي يبني الجسر أولا، ثم يبحث عن النهر لاحقاً) ؟..وهكذا تقريباً نهج الذين يروجون لهذا المشروع السياحي، ولو لم يكن كذلك لدرسوا المشروع بحيث يتبين تكلفته وجدواه الاقتصادية والسياحية، ثم بعد ذلك لروجوه لرجال الأعمال بقلب مطمئن يؤكد (يمكن تنفيذه فوراً)، أوهكذا يجب أن يتكئ التوكل على قاعدة(أعقلها)، ولكن ما نراه حالياً هو نموذج من نماذج التواكل المتكئ على (مادرسنا جدواه، لكن ممكن تنفذوه فوراً) ..هذا نموذج ترويج لمشروع استثماري بالموقع الإلكتروني لوزارة الاستثمار، علماً بأن الموقع يضج بالمشاريع الاستثمارية وتكلفتها المقدرة، وكلها مقدرة من (زمن الدينار)..فقط أصلحوا حال موقعكم الإلكتروني هذا يا ولاة أمر الاستثمار، أي أصلحوا حال المشاريع الاستثمارية في الأسافير إن عجزتم عن إصلاح حالها على (أرض الواقع) ..!! ** المهم، نرجع للسياحة..هي كما الثقافة والرياضة، بحيث يجب ألا يتجاوز الدور الحكومي فيها توفير(الخدمات والقوانين)، دون الإغراق في التفاصيل التي من شاكلة (تعال نشترك نشتري مراكب ونبني شاليهات)..إذ توفر المناخ الملائم - وهوالقانون والطرق والكهرباء والمياه - فالمجتمع ورجال أعماله هم الذين يصنعون السياحة وينشرون ثقافتها ويجلبون السواح بكل هدوء وبلا ورش عمل و مؤتمرات وسمنارات وغيرها من مرهقات خزينة الدولة..وذات مساء، سألت أمير التلب - مواطن سوداني ليس بوزير ولامدير- عن : كيف خطط ل (ملتقى الأحبة)..؟، وهو الملتقى الأسبوعي الذي يجمع أهل الثقافة والفنون والآداب بعامة الناس في الهواء الطلق على شارع النيل، بلاتذاكر وبلا عقد وتعقيدات من شاكلة : (نرحب بالسيد الوزير الذي يبدي حرصه الشخصي على نجاح هذا المشروع السياحي)..فأجاب التلب موضحاً كيفية التخطيط (على الطلاق نحن 5 أنفار كنا بنتونس هنا وفكرنا وقررنا نستفيد من النيل ده وكنا بنجيب الشاي والكيك من بيوتنا)، هكذا كانت بداية (ملتقى الأحبة) حتى صار مكانه وزمانه فضاءً فرايحياً يرتاده زوار النيل وأهل الثقافة والصحافة، بل حتى بعض النافذين بالدولة، ولكن كمواطنين يبحثون عن (بعض الفرح).. هذا نموذج سياحة يصنعها المجتمع، وهنا يكمن سر النجاح..ولذلك، نقترح لوزير سياحة الحكومة المرتقبة بأن يحث حكومته على توفير المناخ فقط لاغير(القانون والخدمات)، ثم تدع المجتمع في حاله ليحتكر كل التفاصيل التي من شاكلة (نشتري لنشات ونمشي السبلوقة وجزيرة التمساح)..!!