مملكة تقلي التاريخ.. وعبث الحاضر ثمة مايدعو لللتأمل في تاريخ السودان الحديث وإرثه الماضي في أنساق عدة ,أبرزها التجربة الثرة مع النظم الملكية ,ومدلولاتها التي شكلت بنية قاعدية لدى المخيال الاجتماعي العام ولها عظيم الأثر في تشكيل ملامح نماذج ماثلة من النظم التقليدية في الإدارة الأهلية وإدارة الدولة ككل ,وأفرزت بعداً قرائبياً في نظم الحكم المختلفة إلا أن الانتقال التدريجي نحو البناء الحديث والسعي نحو إقامة الدولة المدنية القائمة على أساس سيادة القانون وحكم المؤسسات, غبر الامتداد السرمدي لاتصال الماضي بالحاضر فضلاً عن المستجدات الكثيرة التي طرأت على العالم من أيدلوجيات وثقافات و...الخ ويعد العصر الذي نعيش فيه هو الأشد قوة في مده الفكري والثقافي بما يملكه من وسائل تكنولوجية ,وأفكارونظريات علمية موجهة تسعى دوماً لطمس الخصوصيات الثقافية وإذابتها في منظومة عالمية واحدة(العولمة Globollization) مكونة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد ويعتبر التوجه الليبرالي وفصل الدين عن الدولة هما من أهم سماته. وبعد هذه السياحة المقتضبة ,يشير المؤرخون بأن الممالك الدينية في السودان (سنار,تقلي,علوة المسيحية,...الخ)جميعها نجحت في جعل الدين عقد اجتماعي ونظام حياة شامل وعبرة يمارس السلطان أوالمك صلاحيات من غير إكراه أو عصيان,ومملكة تقلي الإسلامية المنهج والسمات ,القائمة على التنوع كأصل استطاعت أن تنشر الإسلام بين ربوع جبال النوبة والمناطق المجاورة لها وجبل قدير كان منارة في القطاع الشرقي من ولاية جنوب كردفان يشع قرآناً وسلاماً وإخاء,بينما مختلف السحنات والقبائل المكونة للمملكة ارتضت ذلك العقد لينظم العلاقات بينها ويعزز التعاون القائم أصلاً..وبالطبع استطاعت المملكة أن تحافظ على مقومات النظام الملكي وأرست دعائم الأمن بحيث مكنت كل قبيلة من مزاولة حرفتها من رعي وزراعة وتجارة وغيرها,ولاننسى أيضاً دور المملكة التاريخي المفعم بنخوة الانتماء للوطن والمنافح عنه والمنبعث من روح الإسلام الحنيف الذي تشربت روح السلطان وأهله به ومازالوا..., وحينما كان المك آدم أم دبالو مناصراً للثورة المهدية بإسلامه وماله ورجاله لقتال المستعمر طلباً للعزة والإباء وحماية لوطن لايرضى الظلم وأمة لاتقبل بالضيم ,وبفضل الاستمساك بالإسلام كانت المملكة في كنف الله العلي القدير مصونة ومحمية إلى أن قضى الله فتلاشت. ولكن الملفت هو أن هناك اتجاه أو تيار يحظى بأغلبية من أبناء المنطقة الشرقية المقيمين فيها وأولئك ممن هاجروا خارجها يتبنون طرحاً عاطفياً يهدف لإحياء مملكة تقلي من جديد ,إذن فهم يريدون إعادة التاريخ !!!والتاريخ لايتكرر وإنما حقائقه هي التي تعيد نفسها..وهم بذلك لاينظرون بوعي للتغير الذي طرأ على التركيبة السكانية في البعدين الأنثربولوجي والديمغرافي وكما أن هناك تطوراً نشأ في كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والفكرية والاجتماعية,فحري لمن يرغب في التعامل مع هذا المشهد أن يرى الأشياء عبرمنظور شامل وعميق يستوعب التنوع الموجود بكل مكوناته ,(بعض المفكرين يعزون أزمة السودان الكلية أنها تكمن في إيجاد فكرة أوصيغة أو توليفة ناجعة تدير التنوع),لا أن تختزل المعطيات بإسقاط تجربة ناصعة من التاريخ على سياق غير ملائم دون اجتهاد, محدثاً تشويه للتاريخ نفسه ومستقلاً للإرث الباقي لتحقيق كسب سياسي رخيص..!!!؟؟ توجد كثير من المسميات لكيانات أهلية وشبابية وطلابية وحتى نخبوية تحمل مسمى تقلي لكن معظمها يؤمن بالتميز في الباطن في حين يرفع في الظاهر شعار الإسلام والسلام والتعايش,فتجدهم كثيراً مايعبرون عن السخط من وجود القبائل الرعوية مثل الحوازمة وأولاد حميد وكنانة و....الخ) هذه الدرجة من السخط دفعت بالكثير من أبناء تقلي للانضمام للحركة الشعبية وكونوا جبهة قتالية هي التي تزعزع الآن الحالة الآمنية في كل من الفيض ورشاد والعباسية وأبو كرشولا والقرى الأخرى المجاورة..وتحول الصراع البسيط حول الموارد إلى صراع على مستوى الهوية إذا أراد البعض تكوين أجسام أو منظومات لإدارة شئون المنطقة أو حلحلة قضاياها عليهم البحث عن المسمى المناسب الذي يعبر عن مكنون المشكل ويعكس حقيقة التجربة الإنسانية هناك ومن ثم تبني أطروحات مقبولة لدى الجميع,الجميع يفخر بمملكة تقلي ونرجو أن يستلهم الكل تلكم الحقبة الإسلامية الثرة في تاريخ السودان ,وعلينا أن نبعث في نفوسنا الاخلاق الفاضلة والقيم النبيلة والمبادئ السامية في ديننا الحنيف,حينها نكون قد أحيينا مملكة تقلي مضموناً ومنهجاً لا اسماً وشعاراً!!!لأنها قامت على الإسلام وتعاليمه,وعلى الجميع محاولة البحث الرصين بتجرد لنصل لمستوى من الوفاق والإئتلاف يمكنا جميعاً من التصدي لتحديات الوضع الراهن وأن نعيد السلام والاستقرار لاهلنا وأبنائنا ,لا بتبنى مبادرات مترهلة ,ضيقة الفكرة ,مبتورة الوصل مع الآخرين ,غير واقعية,فى ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب...!! د.اسماعيل علي حماد