عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد إن الحديث عن حرية الصحافة والصحفيين في هجير الأنظمة الشمولية يصبح ضرباً من الوهم وإدماناً من الخيال أو يصبح شعاراً خداعاً إذا اكتفينا بالمواد أو كما يقول الفقهاء اكتفيا بالمباني عن المعاني فقد قال الأستاذ الصحفي المصري "كامل زهيري" إن الصحافة من غير الحرية تصبح الصحف قصاصات من الورق منقوشة بحبر أخرس ورحم الله الزعيم سعد غلول في مصر عندما كان رئيساً للوزراء قال بشأن الصحافة ما يلي: الصحافة حرة تقول في حدود القانون ما تشاء وتنتقد ما تريد وليس من الرأي أن نسألها لماذا تنتقدنا بل الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنتقدنا عليه؟ بل إن الزعيم زغلول وهو رئيس للوزراء عام 1924م، هاجمه الدكتور الراحل محمد حسين رئيس تحرير جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين وأساء إليه شخصياً بل شتمه وتم اعتقاله فكان الاعتقال بالنسبة إليه نزهة واستجماماً إذ أمر الزعيم سعد سلطان السجن أن تتاح للسيد رئيس التحرير محمد حسين كتابة افتتاحيات صحيفة "السياسة" الذي كان يكتبها يومياً وحتى لا يحرم قراء الأستاذ محمد حسين من قراءة الافتتاحية التي كان يكتبها رئيس التحرير يومياً بل إن صحيفة السياسة هي لسان خصوم الزعيم سعد فلم يستخدم سلطاته وهي تشتمه لإيقافها وحتى لا يحرم المواطنين من قراءة رأي المعارضين للنظام الحاكم هكذا كان الزعيم سعد يحترم الصحافة والصحفيين حتى ولو كان الصحفي خصمه اللدود وكانت نفسه تأبى وهو رئيس للوزراء أن يكون هناك في السجون سجناء للرأي كان لا يجيد ذلك ولم يشهد عهده سجناء للرأي والضمير فالأنظمة الحاكمة يجب عليها أن تقيم قلاعا للحرية والديمقراطية بدلاً من السجون والمعتقلات. ففي ظل الأنظمة الديمقراطية تظل الصحافة تتربع على عرش حريتها بقوة الدستور الذي كفل لها الحرية فلا يمكن أن تشيد سجوناً للرأي ومعتقلات للفكر فاستقلال الصحفي في أداء رسالته وكفالة الحصانة له التي تمكنه من أداء عمله على الوجه الأوفى هو من صميم حرية الصحافة كما يتعين تقنين مبدأ ألا تستأثر الدولة بملكية الصحف بطريق غير مباشر مثلما نشاهد الآن على الساحة الصحفية وهذا في حد ذاته يعتبر سطوة على الصحافة بطريق غير مباشر فكم من صحيفة تعثرت مادياً وتوقفت عن الصدور أو تخلى عنها الناشر لظروف خارجة عن إرادته وكم من صحيفة أعاقوا تقدمها فتقهقرت وتراجعت عن خطواتها نحو الأمام واختفت عن الأنظار وكل هذا يحدث في غياب الديمقراطية فالصحف عادة تنال حظها من الحرية في ظل الأنظمة الديمقراطية حيث يصبح للصحف عامة رواج شعبي ويزدهر سوق الصحافة وينتعش مثلما يحدث الآن في مصر الكنانة حيث حرية كاملة للصحافة المصرية بعد قيام الثورة والإطاحة بالنظام الدكتاتوري الذي جثم على صدر الشعب المصري قرابة ال32 عاماً من حكم الفرد فالصحافة المصرية الآن تعيش أروع أيامها وأعوامها وهي تتمتع بكامل حريتها لا بوليس سياسي ولا أمن دولة ولا رقابة ولا مقص للرقيب ولعن الله سنوات في مصر إبان النظام الناصري، ففي عام 1968م، وأنا في القاهرة كانت بعض الخطابات تصلني من أهلي وأصدقائي من السودان مكتوب عليها عبارة "فتح بواسطة الرقيب" حتى الخطابات العادية بالبريد لم تسلم من اعتداء "الرقيب" عليها فما بالكم بحال الصحف التي حولوها إلى صحافة الاتحاد الاشتراكي في مصر فإذا بالنظام المايوي العسكري في بلادنا يستنسخ لنا اتحادا اشتراكيا في السودان ليكون صورة طبق الأصل للاتحاد الاشتراكي في مصر. هكذا هو حال الأنظمة الشمولية تستنسخ لها بدع شمولية عبارة عن مسميات دخيلة لا علاقة لها بالشعب بشيء سوى اللهم إجراء عمليات ديكور وتحسين لوجود الأنظمة الشمولية. إن حرية الصحافة هي حق شرعي ودستوري كفله الدستور فقد قال الأستاذ الصحفي الكاتب محمد حسنين هيكل "لا حرية صحفية في غيبة الوقائع" وقال بشأن الصحفيين: على الصحفي أن يختار أين يقف؟ قريباً من رأس السلطة أم من ذيلها فالأستاذ هيكل ذاته كان يقف في قلب السلطة وكان من صاحب اتخاذ القرار في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكان يكتب له الخطابات السياسية واشتهر في صحيفة الأهرام المصرية إبان عهد الرئيس عبد الناصر بكتابته كل يوم جمعة حديثه الاسبوعي بصحيفة الأهرام "بصراحة" فكان من خلال حديثه يمدح الرئيس عبد الناصر حتى تم تعيينه وزيراً للاعلام قبل وفاة الرئيس عبد الناصر بأشهر قليلة وعندما تولى الرئيس السادات السلطة بعد وفاة عبد الناصر انزوى هيكل بعيداً عن الأضواء ليأتي الصحفي الراحل موسى صبري، ليصبح من بطانة نظام الرئيس السادات حيث ظل مقرباً له حتى اغتيال السادات وكان يكتب له الخطابات السياسية وكتب له الخطاب الذي ألقاه السادات في زيارته التاريخية للقدس في 19نوفمبر عام 1977م، كتب له الخطاب السياسي الذي ألقاه الرئيس السادات في الكنيست الإسرائيلي وفي حضور الرئيس الإسرائيلي "مناحم بيجن" والأستاذ محمد حسنين هيكل هو صاحب مقولة إن الصحفي أكثر أهمية من الوزير وهذه مقولة صحيحة وهي عين الحقيقة.