الحديث عن التقشف لا يطمئنني، على سبيل المثل لو قيل لي هنالك مدير مياه في ولاية الخرطوم يصرف راتبا ومخصصات مقدارها عشرة ملايين أو حتى خمسة عشر مليونا ولكنه يبيت في محطات المياه ويتفقدها ليلا ونهارا ويرأس لجان المحاسبة والتحقيق ويخصص يوم الجمعة بعد الصلاة للشكاوي فإنني أقول له مبروكة عليك هذه المخصصات غير المتقشفة طالما أنني أفتح الصنبور وأجد المياه. وبالتأكيد هذا المدير أفضل من مدير متقشف وزاهد ويفعل بعض الحركات (المسرحية) مثل تسليم سيارته لوزارة المالية وإعلان الكفاية بسيارته الخاصة ... هذه مجرد هتافيات لا تملأ بطنا جائعة ولا ماسورة فارغة تشخر بالهواء! أنا أريد المسئول الذي يمتطي سيارة الحكومة ويأكل راتب الحكومة حتى احاسبه بذلك وأشاجره وأستوقفه في الطريق العام لأن ما يستخدمه من مال ومعينات هي ممتلكات الشعب السوداني ! أنا براغماتي والحمد لله، وشيخي هو (عبد الرحيم حمدي) فالبراغماتية منهج في التنفيذ وهي ليست عقيدة موازية للفكرة الاصلية والتوجه الرسالي ... دا براهو ودا براهو. ولذلك أنا مع (رفع الدعم) ولكنني متحفظ على طريقة التدخل الحكومي في السوق والبزنس فالواقع الذي تصنعه الحكومة متناقض لأن ممارسة الدعم في ظل سياسة التحرير الإقتصادي مثلها مثل أكل الميتة يكون لفترات مؤقتة وبمقادير مؤقتة فالدعم شكل من أشكال تدخل الدولة في السوق وهو أمر مرفوض عندما يتحول إلى منهج. ومن هذا الباب (حرام) على الدولة أن ترفع الدعم بحجة أنها لا تريد أن تتدخل في السوق ثم تتدخل مرة أخرى بمنح الموالين و(الشلليات) ميزات إقتصادية على رقاب الخلق ... مع السوق الحر هنالك سياسة حرة وصحافة حرة تراقب السوق الحر ... ولكن أن تحرر السوق باليمين ثم تقيد الأعمال بقيود سياسية أو تنظيمية هذا هو الإنحراف الأسوأ في سياسة السوق الحر وعندها يصبح حديثك عن رفع الدعم ما هو إلا (ذر الرماد في العيون) ..! أكذوبة إقتصادية اخرى ... وهي أن الأغنياء فقط هم الذين يتأثرون برفع الدعم عن (البنزين) لأن الفقراء لا يركبون سيارات ملاكي ولكنهم يركبون الحافلات والبصات التي تعمل بالجاز ... كذلك الجاز يدخل في ترحيل السلع والبضائع و في الزراعة ولكن (الصوالين) الحايمة في الخرطوم دي كلها يملكها أغنياء ويستاهلوا رفع أسعار البنزين ..! هذا الحديث مجرد من أي أساس علمي ... هذا المواطن الذي يقود سيارة ملاكي وهو (صاحب عمل) سيزيد أسعار السلع والخدمات التي يقدمها بسبب زيادة سعر البنزين وسيحمل المواطن الفقير في نظر الحكومة فارق السعر الذي وضعته الحكومة. بالإضافة إلى أن الفقراء من مستخدمي السيارات القديمة يستهلكون (بنزين) اكثر من الاغنياء أصحاب السيارات (السنينة) ... المتضرر هو الفقير قبل الغني يا ناس الحكومة