** وأختم بأس البلاء في عالم الدواء، وأعني الهيئة العامة للإمدادات الطبية، عندما أسس الاستعمار هذه الهيئة، لم تكن التجارة من أهدافها، بل كانت بمثابة مخزون استراتيجي للأمصال والأدوية المنقذة للحياة، وهي الأدوية التي تستخدم في أقسام الطوارئ والحوادث، تلك كانت أهدافها، قبل أن تحولها هذه الحكومة إلى هيئة تجارية، كأية شركة أدوية، تشتري وتبيع وتربح وتنافس الشركات الخاصة، قبل شهر ونيف، بتلفزيون النيل الأزرق، عندما استضافه الدكتور عمر محمود خالد، قال الدكتور عصام محمد عبد الله، وكيل وزارة الصحة، بالنص: (هيئة الإمدادات الطبية غير ربحية)، أي لا تربح في الأدوية .. للأسف، هذا الحديث غير صحيح.. فالوكيل، إما أنه يعلم أن أرباح هذه الهيئة هي الأعلى في سوق الدواء ثم يتجمل لإخفاء هذه الحقيقة، أو يجهل تلك الحقيقة، وهذه مصيبة عظمى.. فالتجمل والجهل لا يليقان بأي مسؤول .. ولعلم الوكيل، إن كان لا يعلم، فإن متوسط أرباح الهيئة على الأدوية يصل (247%)..أكرر، منعاً لأي خطأ في هذا الرقم المهول، متوسط أرباح هيئة الإمدادات الطبية على الأدوية في السودان يقدر ب (247%)..هذه هي الحقيقة المرة التي يجهلها - أو يجتهد في إخفائها - وكيل وزارة الصحة، وهي غير قابلة للتجاهل والإخفاء! ** علماً بأن للهيئة قانونا، يعلو على لائحة مجلس الصيدلة، بحيث يقول: يجب ألا يتجاوز الربح (20%)..أي بزيادة (5%)، على أسعار لائحة مجلس الصيدلة التي تحكم الشركات الخاصة بألا يتجاوز الربح (15%)..الهيئة لا تلزم بلائحة مجلس الصيدلة التي تلتزم بها شركات الأدوية، ولا تلتزم بقانونها هي ذاتها.. بل تتمادى في انتهاك اللائحة والقانون، بحيث تصل أرباحها على الأصناف الدوائية نسبة (247%)..لا علم لي بأسواقهم وأرباحهم، ولكن لي قناعة راسخة بأن تجار السلاح والمخدرات في العالم لا يربحون كما تربح هيئة الإمدادات الطبية في السودان، ولكم أن تتخيلوا أيها الأفاضل ربحاً مقداره (247%) من قيمة الشراء، وهذا لا يحدث إلا في السودان (حيث المواطن بلا وجيع).. ومع ذلك، يصفها وكيل وزارة الصحة ب(غير ربحية)، وكأنه يريد لها أن ترفع نسبة أرباحها من (247%) إلى ( 500%).. وقد نجح الوكيل - في تلك الحلقة – في خداع بعض الناس بعض الوقت، ولكنه بالتأكيد لم ينجح في خداع كل الناس كل الوقت، بدليل إعلان هيئة الإمدادات الطبية - أول البارحة- عن تخفيضها أسعار أدويتها بنسبة (49%)..وبالعقل كدا: إن كانت غير ربحية كما يصفها الوكيل، فكيف تتحمل هذا التخفيض؟ هي ربحية، بل فاحشة الأرباح! ** ولأنها كذلك، فقدت دورها الأساسي الذي من أجله تأسست في زمن الانجليز وظلت تؤديه في كل الحقب الوطنية الفائتة، وكذلك بتلهفها للأرباح - والثراء الفاحش - تخلت عن مهامها الاستراتيجية، بحيث لم تعد مخزوناً استراتيجياً للأدوية المنقذة للحياة، بدليل حال أقسام الحوادث التي تفتقر بين الحين والآخر حتى (مجرد شاش طبي)، وكذلك كان حدثاً تلك الوقفة الشبابية التي شهدها مدخل مستشفى الذرة مطلع الأسبوع الفائت احتجاجاً على عدم توفر أدوية السرطان للأطفال، فالهيئة تشغلها التجارة وجني الأرباح الفاحشة عن توفير تلك الأدوية وغيرها للذرة وأقسام الحوداث والطوارئ، ولذلك، فإن كانت الدولة جادة في إصلاح حال الدواء، بجانب مقترحات الحلقات الفائتة، فعليها حل هيئة الإمدادات الطبية، بحيث تكون إدارة - ذات مهام استراتيجية - في وزارة الصحة، وهكذا كانت قبل أن تحل علينا أزمنة التكسب من آلام الناس بواسطة الهيئات والشركات الحكومية ومراكز القوى التي لا تبالي بمعاناة العامة..نعم، يجب ألا يتجاوز دورها توفير الأمصال ومد المشافي العامة بالأدوية المنقذة للحياة.. هذا ما يجب أن يحدث، ولن يحدث، إذ مراكز القوى هي الأقوى دائماً!